شرح كتاب الإبانة من أصول الديانة
شرح كتاب الإبانة من أصول الديانة
Жанры
آثار عن السلف في تغير حال المسلمين
قال: [وقال حماد بن زيد: سمعت يونس بن عبيد يقول: يوشك لعينك أن ترى ما لم تر، ويوشك لأذنك أن تسمع ما لم تسمع، ولا تخرج من طبقة إلا دخلت فيما هو دونها، حتى يكون آخر ذلك الجواز على الصراط].
أي: أن الأمة ما تزال في نقصان حتى تلقى الله ﷿.
وعليه فهذه الأحاديث كلها مرعبة ومخيفة، تجعل الواحد لا ينام الليل ولا يفتر بالنهار، وإنما يبحث عن سنة في مقدوره وبإمكانه أن يستمسك بها في وسط هذه الأمواج المتلاطمة من الإلحاد والفجور والفسوق، بل والكفر البواح، نسأل الله العافية.
قال: [وقال أبو الدرداء: لو أن رجلًا كان يعلم الإسلام وأهمه -أي: لو كان الرجل يعلم الإسلام وما هو الإسلام ويهمه أمر الإسلام- ثم تفقده اليوم ما عرف منه شيئًا]، وهذا قد أخذه أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى وقال: صليت في مائة مسجد، فما رأيت واحدًا يصلي صلاة كصلاة رسول الله ﵊.
فتصور أن واحدًا يقول هذا في القرن الثالث من القرون الخيرة: لو أن النبي ﵊ بعث فينا الآن ما عرف منا غير القبلة، أي: لا يعرف واحدًا منا، وإنما يعرف أن هذه قبلة المسلمين، وأن هذه هي الكعبة؛ لأن المسلمين قد أضاعوا دينهم، حتى الملتزم منهم ملتزم على ضعف وهزال، يغفره الله ﷿.
قال: [قال الحسن: ذهبت المعارف وبقيت المناكر، ومن بقي من المسلمين فهو مغموم]، أي: المعروف الذي كان يعرف عند الصحابة بأنه معروف قد ذهب، وهذا في زمن الحسن البصري الذي مات سنة (١١٠هـ)، أي: في أوائل القرن الثاني! وقوله: (ذهبت المعارف)، أي: ماتت، (وبقيت المناكر)، أي: المنكر، والمناكر جمع منكر، ومن بقي من المسلمين فهو مغموم؛ لما يرى من ظهور المنكر وخفاء المعروف.
قال: [وقال الحسن: ما لي لا أرى زمانًا إلا بكيت منه، فإذا ذهب بكيت عليه].
أي: أن الحسن يبكي ويتحسر، ويتفطر قلبه دمًا على الزمن الذي ولد فيه، فقد كان يتمنى أن يكون في زمن النبوة، لكنه تابعي ومن سادة التابعين، ومن أئمة أهل الورع، وهو سيد أهل البصرة في الورع والزهد والعلم والعبادة والاعتقاد، وهو الذي فضح المعتزلة من أول وهلة.
ولا زلنا نقول: (معتزلة) إلى قيام الساعة أخذًا عن تسمية الحسن البصري ﵁ لـ واصل بن عطاء.
يقول الحسن: (مالي لا أرى زمانًا إلا بكيت منه)، أي: في زمانه، (فإذا ولى هذا الزمان بكيت عليه)؛ لأنه يعلم أن ما يأتي بعده هو شر منه.
2 / 19