قوله: «ما دام فيهم رجلان»: وفي رواية عند قومنا: "ما بقي في الناس اثنان"، وانظر وجه الجمع بينهما، فإن قوله: ما دام فيهم، يؤذن بأن وجود الأمر فيهم معلق بوجود رجلين مخصوصين، ولهذا أشار بأصبعيه وكان المشار إليهما رجلان معروفان عند ابن عباس راوي الحديث، لكنه لم يذكرهما في هذا الموضع، ورواية قومنا تدل على بقاء الأمر فيهم ما بقي في الناس اثنان، فيقتضي ذلك تأبيد الأمر فيهم والمشاهد خلافه والكذب محال، فعلمنا أنهم رووا الحديث بالمعنى وغلطوا في فهمه، وأقرب منها رواية البخاري: "ما بقي منهم اثنان فإنها تقرب من رواية الربيع وإن لم تصرح تصريحه، فإن قيل: إن تأويل الرجلين بشخصين معينين ينافيه المشاهد من الحال فإن الملك قد بقي في قريش بعد الصحابة زمانا طويلا، فالجواب: أن المراد بالأمر في الحديث الأمر المعهود في زمانه صلى الله عليه وسلم، وهى الولاية العادلة والإمارة المستقيمة المخصوصة باسم الخلافة، ولا شك أن هذا الحال قد زال عن قريش في حياة أكثر الصحابة، فصارت الخلافة ملكا ولعل الرجلين المشار إليهما العباس بن عبد المطلب وعبد الرحمن بن عوف رضى الله عنهما إذ بموت العباس انتقض الشر بالمسلمين وظهرت الأحداث من عثمان، وبموت عبد الرحمن قامت الفتن من معاوية وعمر وغيره من الطلبة بدم عثمان، فكان من أمر الفتنة ما كان، ويحتمل <01/78> أن المشار إليهما غير هذين الرجلين ويحتمل أن يجرى الحديث مجرى المثل الذي لا تراد حقيقته، وهذا التوجيه حسن في رواية المخالفين، ولا يتجه في رواية الربيع للتصريح فيه بالإشارة، والله أعلم.
قوله: «لمن افتتن بالملك»: إشارة إلى من مال به الملك عن الحق وترك السيرة وفارق الجماعة، وأول من افتتن بذلك عثمان بن عفان، ثم الطالبون بدمه في زعمهم ليستجلبوا طعام الناس وغوغائهم.
Страница 85