قوله: «باب في الولاية والإمارة»: بكسر الأول فيهما، وهما بمعنى واحد؛ لأن المقصود التسلط والتمكن، وقد تكون الإمارة عامة وخاصة لقوم دون قوم، وكذا الولاية وتخص العامة بالإمامة والخلافة، ويقال لمتوليها إمام المسلمين وأمير المؤمنين، والخليفة يعنون خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: لا يقال له أمير المؤمنين حتى يستولي على جميع نواحيهم، والأول أصح والثاني أشهر في الاستعمال، وأول من لقب بخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق رضى الله عنه وأول من لقب بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والإمامة فرض بالكتاب والسنة والإجماع والاستدلال، فالكتاب قوله تعالى: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم}[النساء: 59]، على قوله من تأولهم بالأئمة، وقيل المراد العلماء، وقوله تعالى: {ويدرؤا عنها العذاب أن تشهد}[النور: 08]، وفاعل ذلك هو الإمام، ومن ذلك قوله في ثلاث آيات: {ومن لم يحكم بمآ أنزل الله}[المائدة: 44]، والمخاطب بذلك ولاة الأمر، وأما السنة فإنه صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح بلدا أمر عليها أميرا مرضيا، وكذلك كان يفعل بالمدينة إذا خرج حاجا أو غازيا كانت أمراءه في البلاد مشهورين بتأميره إياهم وعقد الولاية لهم، فإذا كان هذا مع وجوده عليه السلام فمع عدمه أحرى أن يثبت، وقد قال عليه السلام أطيعوا: "ولاة أموركم"، وقال لمعاذ: "ولا تعص إماما عادلا"، وقال: "السمع والطاعة ولوكان حبشيا مجذعا"، وفي رواية: "أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد"، وأما الإجماع ففعل المهاجرين والأنصار إياها، وقولهم بثبوتها وإن اختلفوا في من يقوم بها فإنهم لم يختلفوا أنها واجبة أو غير واجبة، ولذلك قاتلوا من خرج عن طاعة الإمام، وأما الاستدلال فإن الأمة مجتمعة على أن <01/75> لله فروضا أمر بها وحدودا أوجبها لا يقيمها من باشرها منهم على نفسه، وأنه ليس لعامة الناس أن يقيموها عليه، فتوقف أمر إقامتها على قائم بأمور المسلمين، وما توقف عليه الواجب كان واجبا؛ لأن ترك الواجب حرام.
ما جاء في ولاية قريش
قوله: «لا يزال هذا الأمر يعني الولاية في قريش ... الخ»: وفي رواية عند قومنا: "الناس تبع لقريش"، وفي أخرى: "الأئمة من قريش"، وهذا إخبار عن الواقع بعده صلى الله عليه وسلم ليس تخصيصا لقريش بالخلافة، وعلى هذا أهل الاستقامة ووافقهم النظام وغيره من الناس، وخالفت الأشاعرة، فاشترطوا كون الإمام قرشيا، وزعموا أن الأحاديث تقتضي الخلافة بقريش، وادعوا على ذلك إجماع الصحابة، قال القاضي عياض: وقد احتج به أبو بكر وعمر رضى الله عنهما على الأنصار يوم السقيفة فلم ينكره أحد، والجواب: أما الأحاديث فبينت معناها أحاديث أخر، ففي صحيح البخاري عن أنس عن النبىء صلى الله عليه وسلم قال: "اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كان رأسه زبيبة"، وفي صحيح مسلم عن أبى ذر رضى الله عنه قال: "إن خليلى صلى الله عليه وسلم أوصاني أن أسمع وأطيع ولو كان عبدا حبشيا مجذع الأطراف"، وفي حديث العرباض بن سارية عن أبى داود والترمذي وقال: حسن صحيح، أن النبيء صلى الله عليه وسلم قال: "أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد"، والأحاديث في هذا كثيرة، وأما الإجماع فلم ينعقد على أن الخلافة لا تجوز إلا في قريش وأن من عقد على صحة إمامة أشخاص منهم لثبوت العقدة الصحيحة لا لأنهم قرشيون فقط، وفي صحيح البخاري من حديث عروة بن الزبير عن عائشة: "أن الأنصار اجتمعت إلى سعد بن <01/76> عبادة في سقيفة بني ساعدة فقالوا: منا أمير ومنكم أمير فذهب إليهم أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح، فذهب عمر يتكلم فأسكته أبو بكر وكان عمر يقول:
Страница 82