قوله: «غرا محجلين»: الغر بضم فسكون، جمع أغر، والغرة بياض في جبهة الفرس فوق الدرهم، استعيرت للنور الذي يكون في وجه المؤمن يوم القيامة من أثر الوضوء، والتحجيل تقدم ذكره واستعير هنا للنور الذي يكون في أرجل المؤمنين وأيديهم يوم القيامة، وهذه خصوصية لهذه الأمة، فإن سائر الأمم وإن شاركونا في الوضوء لا يشاركونا أيضا في الغرة والتحجيل، وقيل: أن الوضوء على هذه الكيفية من خصوص هذه الأمة والمعنى أن وضوءهم غير وضوئنا ، وقيل: أن الوضوء من خصوص هذه الأمة أيضا، فإنه لم يكن إلا الأنبياء دون أممهم، ورد بما ثبت في قصة سارة عليها السلام مع الملك الذي أعطاها هاجر أن سارة لما هم الملك بالدنو منها قامت تتوضأ وتصلي، وفي قصة جريج الراهب أيضا أنه قام فتوضأ وصلى، ثم كلم الغلام، وهل يختص وصف الغرة والتحجيل بأهل السعادة من هذه الأمة دون غيرهم من الأشقياء وإن توضؤوا؟ الظاهر" نعم؛ لأنه علامة تستلزم الورود على الحوض؛ ولأن وضوء الأشقياء لا أثر له، وكيف يكون الغرة والتحجيل لمن اسودت وجوههم، والناس يومئذ صنفان تبيض وجوه قوم، وتسود وجوه آخرين، ولا يوجد صنف ثالث، فريق في الجنة وفريق في السعير، فإن قيل: قد جاء في الحديث أنه ينادي رجالا منهم يطردون عن الحوض فبأي شيء عرفهم؟ فالجواب: <01/73> أن المنادين رجال كان يعرفهم في حياته بألوانهم وصفاتهم، كما يدل عليه قوله أنهم قد بدلوا بعدك، وقد جاء في رواية عند قومنا ذكرها البخاري في مواضع من صحيحه: "ألا وإنه يجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا رب أصيحابي _ وفي نسخة : أصحابي _ فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: كما قال العبد الصالح وكنت عليهم شهيدا مادمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد، فيقال: إن هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم".
Страница 79