شرح اختصار علوم الحديث - اللاحم
شرح اختصار علوم الحديث - اللاحم
Жанры
الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فهذا درس ضمن الدورة العلمية التي ينظمها المكتب التعاوني بالدعوة والإرشاد بحي سلطانة بالرياض، في مسجد شيخ الإسلام ابن تيمية.
ومن حق القائمين -أو المنظمين لهذه الدورة- حقهم علينا أن نشكرهم، وأن ندعو لهم بظهر الغيب، وعلى رأس هؤلاء فضيلة الشيخ إمام هذا المسجد الشيخ فهد الغراب، فله جهد مشكور، نسأل الله -تعالى- أن يجعله في ميزان حسناته.
ويسرني جدا أن أشارك الأخوة في هذه الدورة؛ لأستفيد أولا، ولعله -أيضا- يُستفاد مما أقوله، ودرس هذا اليوم -إن شاء الله تعالى- نبتدئ به في التعليق على كتاب الحافظ ابن كثير، الذي وَسَمَه بـ"اختصار علوم الحديث".
علوم الحديث أو كتاب علوم الحديث أصله لابن الصلاح، الإمام المعروف، وابن الصلاح -رحمه الله تعالى- تولى تدريس مادة الحديث في إحدى مدارس دمشق، فرأى أن يُقدِّم لذلك بدروس تتعلق بمصطلح الحديث، أو بعلوم الحديث.
ولكنه لم يجد كتابا مجموعا مهذبا مختصرا مرتبا مما أُلِّفَ قبله؛ فإن التأليف قبل ابن الصلاح كان على طريقة أئمة أهل السلف -رحمهم الله تعالى- وهو التأليف عن طريق الإسناد؛ يبوِّب العالم للموضوع الذي يريد بكلمة من عنده، ثم يسوق ما تحت هذا الباب من نصوص للعلماء.
فرأى ابن الصلاح -رحمه الله تعالى- أن يجمع هذا، ويهذبه، ويرتبه، ويجعله على شكل، أو على طريقة أنواع لعلوم الحديث، فصار يُحضِّر كتابه شيئا فشيئا، ثم يمليه على طلبته، فجاء الكتاب المعروف المشهور بـ"علوم الحديث"، وهو مشهور أيضا بـ"مقدمة ابن الصلاح".
1 / 1
فهو مشهور بهذين الاسمين، وقد رأيت لبعض الباحثين -يعني كلاما- يقول فيه: إن اسم "مقدمة ابن الصلاح" هذا اخترعه بعض طابعي الكتاب، وهذا الكلام غير دقيق، ليس بدقيق، هذا الاسم الذي هو مقدمة ابن الصلاح -يعني- أُطلِقَ عليه من قبل، ورأيته في شرح الملا علي القاري، فمثل هذا الكلام -يعني- لم يتمعن فيه صاحبه.
فالكتاب مشهور بـ"علوم الحديث"، ومشهور أيضا، اشتهر أخيرا عندنا جدا بـ"مقدمة ابن الصلاح".
هذا الكتاب لما ألفه مؤلفه -رحمه الله تعالى- فرح به الناس في العالم الإسلامي كله، ويدلك هذا على أن العالم الإسلامي في ذلك الوقت بحاجة إلى كتاب مختصر مرتب، يقدم لهم علوم الحديث بأسلوب سهل، فلما خرج هذا الكتاب تلقاه العلماء بالقبول، فاشتغلوا عليه.
اشتغل عليه العلماء، منهم من اختصره كالنووي، وابن دقيق العيد، وابن كثير، ومنهم من اختصر بعض مختصراته كالنووي مثلا، اختصر كتابه "المختصر"، وكالذهبي اختصر كتاب ابن دقيق العيد الذي هو... اختصره بالموقظة.
ومنهم من نظمه مثل العراقي والسيوطي، ومنهم من وضع عليه نكتا وفوائد، واشتغل عليه الناس، بحيث يمكن أن يقال -يعني-: إنه من الكتب النوادر التي كثرت عليها المؤلفات.
إذا كنا نعرف -مثلا- أن على صحيح البخاري -يعني- لصحيح البخاري -يعني- يقولون: أكثر من مائة شرح أو نحو ذلك، فإن كتاب ابن الصلاح ﵀ ملحق بهذه الكتب التي كثر التأليف عليها، كَثُر، بلغ العشرات، كلها تدور حول كتاب ابن الصلاح، ومن هذه الكتب كتاب الحافظ ابن كثير الذي سندخل فيه -إن شاء الله تعالى- هذا اليوم.
ابن كثير معروف عندنا، ليس بحاجة إلى التعريف، فهو -يعني- من العلماء المشهورين، ومن العلماء الذين وصفوا بالموسوعات، وما معنى كونه موسوعة؟ العالم ما معنى كونه موسوعة؟
1 / 2
يعني: اشتغل بعدد من الفنون، فله الكتاب المشهور في التاريخ الذي هو "البداية والنهاية"، وله الكتاب المشهور في التفسير الذي هو "تفسير القرآن العظيم" المعروف.
وأيضا في الحديث اشتغل بهذا الكتاب، وله الكتاب المعروف أيضا "جامع المسانيد"، وكتب في الرجال، في الجرح والتعديل، واشتغل أيضا بالفقه، وله كتاب "الأحكام الكبير".
فهو من العلماء الموسوعات الذين اشتغلوا بعدة فنون، وصار إماما في كل فن، وهو ﵀ عاش في القرن الثامن، ولد سنة إحدى وسبعمائة للهجرة، وتوفي سنة أربع سبعين وسبعمائة.
وتتلمذ على أئمة فضلاء، من أشهرهم ابن تيمية ﵀، وأيضا المزي الذي كان له -لهذا الرجل الذي هو المزي- أثر كبير في عصره بالنسبة للسنة النبوية؛ لأنه ﵀ ليس من العلماء الذين وصفوا بأنهم موسوعات، وإنما هو من الذين اشتغلوا بالتخصص، فليس له كتب، أو ليس له اشتغال إلا بالحديث. فتخرج به أئمة منهم: الذهبي، وابن تيمية، وجماعة.
المهم أن ابن كثير تتلمذ على المزي، وتزوج أيضا بابنته، صاهره، وأيضا تتلمذ على الذهبي، وعلى أئمة كثيرين. هذا هو مؤلف هذا الكتاب.
أما عمله في الكتاب، سنقرأ مقدمة، يعني: سنقرأ ماذا سيعمل في الكتاب، ولكن أحب أن أشير إلى نقطة مهمة في شخصية ابن كثير، وفي اشتغاله بعلم الحديث، وفي قيامه باختصار كتاب ابن الصلاح دليل عظيم على أهمية الاشتغال بعلم المصطلح، أو بعلوم الحديث.
وعلوم الحديث إذا أُطلقت تشتمل على شيئين:
الشيء الأول: ما يُعرف عندنا بمصطلح الحديث، مصطلح الحديث ما هو؟ معناه: معرفة مصطلحات أهل الحديث، فإذا قالوا كلمة، ماذا يريدون بها؟ ما معناها عندهم؟
فإذا قالوا -مثلا-: هذا الحديث مرسل. ماذا يريدون بها؟ إذا قالوا: هذا الحديث موصول. ماذا يريدون بها؟ إذا قالوا: فلان مدلس. ماذا يريدون بهذه الكلمة؟ إذا قالوا: هذا الحديث منكر. ماذا يعنون بمنكر؟
1 / 3
إذا قالوا: هذا الحديث -مثلا- مسلسل، هذا الحديث معلق، هذا الحديث منقطع، ماذا يريدون بهذه الكلمات؟
هذا هو مصطلح الحديث.
وكذلك يضم علوم الحديث يضم جانبا آخر، أو تتضمن جانبا آخر، أو جزءا آخر، وهو المهم، وهو من الأمور المهمة، أو هذا الجانب هو الأمور المتعلقة بقواعد النقد، الأمور المتعلقة بالقواعد.
يعني: مثلا نحن نقول -مثلا-: عندنا مصطلح تعارض الوصل والإرسال. نشرح كلمة تعارض، ونشرح كلمة وصل، ونشرح كلمة إرسال، هذا الأمر يتعلق بأي شيء؟ بالمصطلح أم بالقواعد؟
هذا الشرح يتعلق بالمصطلح، فيه جانب آخر، ما الحكم إذا تعارضا وصلا وإرسالا؟ فهذا الأمر يتعلق بالقاعدة، يعني: جانبا آخر، وهما جانبان متميزان.
فإذا قيل: مصطلح الحديث. فالمراد به معرفة المصطلح ماذا يريد به أئمة الحديث؟
وعندنا جانب آخر، الذي هو جانب قواعد النقد، وطالب العلم أول ما يبتدئ به بأي النوعين؟ أول ما يبتدئ به، أو أيهما أسهلهما؟
بلا شك الجانب المتعلق بالمصطلح، ويبتدئ به الشخص، في كتب علوم الحديث مثل كتاب ابن الصلاح مخلوطة الأمور، ليس هناك شيء يقال له: هذا مصطلح، وهذا قاعدة، بس أنا -يعنى- أريد أن يتصور طالب العلم ما الذي يأخذه في هذا الفن.
غرضي من هذا الكلام هو أن في شخصية ابن كثير -رحمه الله تعالى- دليل، واختصاره لكتاب ابن الصلاح، واشتغاله بفن المصطلح دليل عظيم على ضرورة الاشتغال بهذا العلم، وأن ما يقال من أن علم الحديث -الذي هو نقض السنة- من العلوم التي يقولون: طُبخت واحترقت.
بعض العلماء قسم العلوم إلى ثلاثة أقسام:
منها ما طُبخ ولم ينضج، فهو بحاجة إلى أي شيء؟ إلى مزيد طبخ.
ومنها ما طُبخ ونضج، فهو بحاجة إلى أي شيء؟ إلى الاستفادة منه.
ومنها ما طُبخ ونضج واحترق، وجعل من العلوم التي طُبخت ونضجت واحترقت علم نقد السنة.
1 / 4
وهذا الكلام قاله غير متخصص، يعني: أطلقها كلمة واستعجل فيها، ونقده العلماء، لكن الشاهد ما هو هنا؟ انظروا إلى أثر علم مصطلح الحديث، أو أثر علوم الحديث على الحافظ ابن كثير، وعلى -يعني- المسلمين عامة في شخصية ابن كثير، ما الذي أريده هنا؟
نحن نعرف أن كتب التفسير ابتداء من الكتب الجوامع، مثل جامع البيان، ومثل تفسير ابن أبي حاتم، وهذه التفاسير التي جمعت كل شيء، كل ما قيل في التفسير بالمأثور، ثم تلتها كتب مثل: الثعالبي أو الثعلبي، وكتاب البغوي، والبيضاوي، كتب الزمخشري، وكتب في التفسير كثيرة جدا.
من الأشياء التي اشتهرت بها هذه الكتب في العصور المتأخرة -بكل أسف- أنها محشوة بأي شيء؟ بالأحاديث الضعيفة والموضوعة، ومحشوة -أيضا- داخلها موضوع خطير، وهو متعلق بأي شيء؟ بالإسرائيليات. ما هو الجديد في هذا الأمر؟
انظروا في نهاية القرن، أو في منتصف القرن الثامن يقوم إمام، ويقوم بجهد كبير جدا في سبيل تنقية علم التفسير من هذه الأمور التي دخلت عليه، من هو هذا الإمام؟
هو ابن كثير -رحمه الله تعالى-، هو ابن كثير، ونحن نعرف أن من أهم مميزات تفسيره نقده للمرويات، ولهذا:
أولا: قام بحذف شيء كثير جدا من التفسير مما أُودع قبله من قبل ابن جرير وغيره.
وثانيا: يورد بعض الأحاديث، وبعض المرويات، ثم يقوم بنقد هذه المرويات. نعم، بقي في تفسيره أشياء تحتاج إلى نقد، ولكنه -رحمه الله تعالى- قدم هذا الجهد، ما الذي جعله يقوم بهذا؟ ما الذي جعله يتولى هذا الأمر، أو يحس بهذا الأمر، أو يؤهل للقيام بهذا الأمر؟
إنما هو اشتغاله بعلوم الحديث، وأنت الآن خذ أي مؤلف -مثلا- تدرك لأول وهلة من قراءتك لكتابه إن كان مهتما بالتصحيح والتضعيف، أو كان غير مهتم بذلك، فهو يجمع ويستدل بأحاديث ربما تكون موضوعة.
1 / 5
فالقول بأن الناس أو بأن الاشتغال بعلوم الحديث انتهى دوره، هذا كلام خطير لا ينبغي أن يُلْتَفَت له؛ فالناس في كل زمان بحاجة إلى رجال، وإلى علماء في كل فن، حتى لو كان انتهى هذا العلم، أو طبقت قواعده؛ لأن المستفتي أو السائل لو قال لك: ما حكم، أو هذا الحديث المروي عن النبي ﷺ ما درجته؟
هل يمكن أن تقول له: ترى ابن معين تكلم فيه، اذهب وانظر ماذا قال؟ لا يمكن هذا، ولا يعرف هو ابن معين، ولا يعرف الكتب.
إذن، الناس بحاجة إلى من يوجههم في كل فن، ومن هذه الفنون التي هم بحاجة إليها -ولاسيما في الوقت الحاضر- هو علم نقد السنة، أو علوم الحديث، ما نعرفه باسم علوم الحديث، ولا سيما في هذا الوقت الذي انتشرت فيه الكتب، وطبعت فيه، وسَهُل الوصول إلى الحديث في أماكنه، واطلعنا على شيء كثير من كلام العلماء، فهو بحاجة إلى مقارنة.
العلماء يختلفون، والعلماء لهم مصطلحات، قد يقول الإمام: هذا حديث صحيح. ولا يريد به الصحة المطلقة، قد يقول: هذا حديث ضعيف. يريد من حديث هذا الصحابي، وقد يقول شيئا، ولا يريد به، يعني: كلامه مقيد.
من الذي يستطيع أن يميز هذا من هذا؟ إنما هو المشتغل بنقد السنة.
وقَلَّ، أو لا يخلو علم من علوم الشرع، أو من العلوم المتعلقة بالشرع -حتى العلوم اللغوية والنحوية- من الحاجة إلى علم مصطلح الحديث؛ اللغة، النحو، التفسير، الفقه، أصول الفقه. كل هذه العلوم محتاجة، أو يحتاج صاحبها إلى علوم الحديث.
1 / 6
لا تستغربون أن يكون النحو بحاجة إلى علوم الحديث، نحن نعرف أنه قام بعض العلماء -رحمهم الله تعالى- من النحاة بتقعيد قواعد، أو بتأكيد قواعد مختلف فيها استدلالا بأي شيء؟ بالحديث. ولكن هذه الأحاديث التي استدل بها هي بحاجة إلى أي شيء؟ إلى نقد، وإلى تمييز ماذا قال رسول الله ﷺ ومن يتمعن قليلا في، أو من يقرأ في "فتح الباري" للحافظ ابن حجر سيجد نماذج من الاستدلال بالحديث في علوم، اترك علم الفقه، هذا واضح لا إشكال فيه، أو التفسير، تفسير مثلا نقل إلينا شيء كثير من التفسير بالمأثور هو -بلا شك- بحاجة إلى نقد.
لكن العلوم الأخرى التي قد القارئ لا يتصور أنها بحاجة إلى علوم الحديث، علم اللغة، علم النحو، البلاغة، الأمثال، علوم كثيرة بحاجة إلى علم مصطلح الحديث.
والآن -يعني- بعد هذه المقدمة، ندخل في الكتاب، والكتاب -كما هو معروف بالنسبة لهذه الدروس- يعتبر هو اختصار، ولكنه بالنسبة لهذه الدروس يعتبر أو يعد -يعني- ليس بالمختصر، ولهذا نحن بحاجة إلى التقليل من التعليق عليه؛ إنما أعلق عليه بما يُفْهَم، أو بتفسير كلام الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى-، وبما يتيسر، والقارئ أيضا سيسرع.
نرجو من الأخوة المتابعة بسرعة، سيسرع القارئ، ولعلنا -إن شاء الله تعالى- نتمكن من إتمام هذا الكتاب، فهذا أمر مطلب مهم، نستعين بالله- تعالى- القارئ. نعم.
تقرأ من قوله: "وهذا تنويع الشيخ أبي عمرو وترتيبه ﵀".. نعم.
1 / 7
ترتيب ابن الصلاح لأنواع الحديث
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى-: وهذا تنويع الشيخ أبي عمرو وترتيبه -رحمه الله تعالى-، قال: وليس في آخر الممكن في ذلك؛ فإنه قابل للتنويع إلى ما لا يُحْصَى، إذ لا تنحصر أحوال الرواة وصفاتهم، وأحوال متون الحديث وصفاتها.
قلت: وفي هذا كله نظر، بل في بسطه هذه الأنواع إلى إعادة نظر، إذ يمكن إدماج بعضها في بعض، وكان أليق مما ذكره، ثم أنه فرق بين متماثلات منها بعضها عن بعض، وكان اللائق ذكر كل نوع إلى جانب ما يناسبه، ونحن نرتب ما يذكره على ما هو أنسب، وربما أدمجنا بعضها في بعض طلبا للاختصار والمناسبة، وننبه على مناقشات لا بد منها -إن شاء الله تعالى.
هذا كلام ابن كثير ﵀ فيه عدد من الأمور:
أولها: ما ذكره أن ابن الصلاح -رحمه الله تعالى- لما عَدَّدَ أنواع علوم الحديث ذكر أنها قابلة للزيادة، وأخذ بكلمته هذه بعض العلماء، فصار يزيد بعضهم في أنواع علوم الحديث، حتى وصل الحال، أو وصلت إلى الحافظ ابن حجر ﵀، فأوصلها الى مائة نوع.
ابن الصلاح أوصلها الى خمسة وستين نوعا، وزاد عليها ابن حجر مما أخذه ممن قبله، زاد عليه كم من نوع يكون؟ خمسة وثلاثين نوعا، ولكنه لم نقف عليها هذه؛ لأنه وعد أن يذكرها في آخر كتابه "النكت"، ولم يتيسر له أن يتم هذا الكتاب، فذهبت هذه الأنواع التي وعد الحافظ بها.
ابن كثير له رأي آخر في الموضوع، ابن كثير -رحمه الله تعالى- يقول: هذا التنويع لا حاجة له، والزيادة التي يقول بها ابن الصلاح لا حاجة لها، والأولى -يقول ابن كثير -رحمه الله تعالى-: أن يختصر ما ذكره من الأنواع؛ لأنه فَرَّقَ بين متماثلات، أو لأنه -يعني- ذكر أنواعا، وحقها أن يُدْمَج بعضها في بعض.
ولكل من القولين -يعني- دليله، فابن الصلاح ﵀ قصد التسهيل والتبسيط والمرور، قصد المرور على مصطلحات أهل الحديث، وإن كان بينها شيء من التداخل، وإن كان بينها شيء، قصد أن يوضح ماذا يريد علماء الحديث بهذا المصطلح، أو بهذه الكلمة، أو بهذا الفن، وإن -يعني- أدى ذلك إلى بسطها، وإلى تنويعها، وإن كان بعضها يمكن أن يُدْمَج في بعض.
إذن، هذان رأيان، أخذ ابن كثير، والأمر في هذا، الخطب في هذا -كما يقولون-: سهل أو عسير.
1 / 8
الخطب في هذا سهل؛ لأنها طريقة في التأليف، لكن من المهم جدا تنبيه ابن كثير هذا -رحمه الله تعالى-، يعني: نحن دائما ننبه عليه الذي هو تداخل بعض مصطلحات الحديث.
التداخل هذا هو -يعني- يحتاج إلى وقت، وضرب أمثلة لكيفية التداخل، ربما يأتي معنا لاحقا -إن شاء الله تعالى-.
ويضربون مثالا لذلك مثلا، يضربون مثالا لذلك بالمعلل مثلا، المعلل يقولون: هو كذا وكذا، ولكن ثم يقولون: المدرج المقلوب المزيد في متصل الأسانيد، يعدون أنواعا، هذه الأنواع تدخل في المعلل، تدخل في المعلل، فهذا الذي يريده ابن كثير، ولعله يأتي معنا مناسبة ننبه عليها -إن شاء الله تعالى.
يقول ابن كثير - رحمه الله تعالى-: من المآخذ على كتاب ابن الصلاح أن ترتيبه للكتاب فيه شيء، ففرق بين متماثلات، وحقه أن يذكرها، أن يذكر بعضها إلى جنب بعض.
ولهذا بهذا السبب اعتنى بعض العلماء، مثل السخاوي ﵀ في كتابه "فتح المغيث" إلى بيان المناسبات، يعني: مناسبة هذا النوع أو هذا الموضوع من علوم الحديث للنوع الذي قبله اعتنى بهذا في كتابه فتح المغيث.
ابن حجر ﵀ وافق ابن كثير على أن ابن الصلاح -يعني- هناك ترتيب أفضل، ابن كثير لم يكن، هو يقول: نحن نرتب ما نذكره على ما هو الأنسب، وربما أدمجنا بعضها في بعض طلبا للاختصار وبالمناسبة، هذا الذي وعد به لم يقم به كثيرا؛ فقد تابع ابن الصلاح في تأليفه.
ويقول بعض الشراح: لا ندري لم وعد ابن كثير بشيء، ولم يفِ به، يعني: لعله فيما بعد رأى أن الأنسب متابعة من؟ أن الأنسب متابعة ابن الصلاح -رحمه الله تعالى-.
من الذي قام بإعادة الترتيب؟ من هو الذي قام؟ نقد ابن الصلاح، أولا اعتذر له، اعتذر لابن الصلاح لما هو مخل بالترتيب، قال: لأنه لم يؤلفه على طريقتنا كمؤلف، وإنما هو يجمع موضوعات، كلما تجمع له موضوع أملاه على الطلبة، فلهذا لم يخرج كتابه على الترتيب.
1 / 9
من الذي تولى ترتيبه؟ أو إعادة ترتيب المصطلحات هذه؟ هو ابن حجر ﵀، ولهذا سَمَّى كتابه "نخبة الفِكَر" رتبه، أو أعاد ترتيب كتاب ابن الصلاح بطريقة ثانية.
ولهذا أول ما تبتدئ بكتاب ابن الصلاح في الحديث الصحيح، وأول ما بدأ به ابن حجر بالنخبة هو تقسيم الحديث الى متواتر وآحاد، ثم الآحاد إلى مشهور وعزيز وغريب، ثم أخيرا -يعني- أو فيما بعد وصل إلى مبحث الصحيح.
وهناك بعض المؤلفين في العصر الحاضر ساروا على طريقة ثالثة في الترتيب، ما أطيل بهذا. نعم. اقرأ النوع الأول.
تقسيم الحديث إلى أنواعه صحة وضعفا
النوع الأول: الصحيح
تقسيم الحديث إلى أنواعه صحة وضعفا
قال: اعلم -علمك الله وإياي- أن الحديث عند أهله ينقسم إلى: صحيح، وحسن، وضعيف.
قلت: هذا التقسيم إن كان بالنسبة إلى ما في نفس الأمر فليس إلا صحيحا وضعيفا، وإن كان بالنسبة إلى اصطلاح المحدثين فالحديث ينقسم عندهم إلى أكثر من ذلك، كما قد ذكره آنفا هو وغيره أيضا.
هذا من المناقشات على ابن الصلاح ﵀ من قِبَل ابن كثير، ابن الصلاح ذكر أن الحديث ينقسم إلى صحيح وحسن وضعيف، فابن كثير ﵀ يقول: الحديث في واقع الأمر في نفس الأمر ليس إلا صحيحا أو ضعيفا، وإن كنت تريد تقسيمه عند أهل الحديث فهو ينقسم إلى أكثر مما ذكرت، ولكن مثل هذه المناقشات -يعني- لا تُشْكِل كثيرا؛ لأن المقصود هو -يعني- ما تحت هذا التقسيم.
والجواب عن ابن الصلاح أيضا سهل، ابن الصلاح يريد قسمة إجمالية، والأقسام الأخرى التي ذكرها تدخل تحت هذه القسمة الإجمالية، وهذا أمر معروف، كما تقول هذا الأمر ينقسم إلى ثلاثة أقسام، ثم تأتي إلى القسم الأول وتقسمه أيضا إلى أقسام، بل يعدون هذا ميزة في المؤلف إذ بدأ يتدرج من العام إلى الخاص، أو بعضهم يتدرج بالعكس.
1 / 10
فالمقصود أن هذه الاعتراض كثر على ابن الصلاح، بالمناسبة الاعتراض والنقد والجواب، وبعضها -يعني- بلا شك فيه فائدة، أو كثير منه فيه فائدة، ولكن بعضه من باب انتقاد إما التقسيم، أو انتقاد اختيار كلمة أو نحو ذلك، فهذا من هذا الباب.
بقي أن نشير إلى أن ابن كثير ﵀ يمكنه أن يعترض على ابن الصلاح بأن يقول: القسمة الإجمالية هذه أصلها -حتى عند علماء الحديث- إنما هي: إما صحيح، أو ضعيف، هذا حقه كان حقه أن يقول هذا، ولأن العلماء -رحمهم الله تعالى- كما نعرف في عصر النقد كلمة حسن ليست متداولة عندهم كثيرا، إنما يتداولون كثيرا إما صحيح وإما ضعيف.
والجواب عن ابن الصلاح أيضا سهل في هذا؛ لأن ابن الصلاح ﵀ أراد ما استقر عليه العمل عند أهل الحديث، فبلا شك قبل عصر ابن الصلاح بقليل، يعني: كان استقر العمل على تقسيم الحديث إلى كم من قسم؟ إلى ثلاثة أقسام: إلى صحيح، وحسن، وضعيف.
فهذا ابن الصلاح يريد هذا الشيء. نعم. تفضل يا شيخ، اقرأ.
الحديث الصحيح
تعريف الحديث الصحيح
تعريف الحديث الصحيح:
قال: أما الحديث الصحيح فهو الحديث المسند، الذي يتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه، ولا يكون شاذا ولا معللا.
ثم أخذ يبين فوائده، وما احترز بها عن المرسل والمنقطع والمعضل والشاذ، وما فيه علة قادحة، وما في راويه نوع جرح.
قال: وهذا هو الحديث الذي يحكم له بالصحة، بلا خلاف بين أهل الحديث، وقد يختلفون في بعض الأحاديث لاختلافهم في وجود هذه الأوصاف، أو في اشتراط بعضها كما في المرسل.
هذا تعريف ابن الصلاح، هذا الكلام كله من كلام من؟ من كلام ابن الصلاح، إلى الآن ابن كثير ما تدخل في موضوع الحديث الصحيح، فالآن معنا تعريف عرفه ابن الصلاح ﵀ بأنه: الحديث المسند الذي يتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه، ولا يكون شاذا ولا معللا.
1 / 11
ذكر ابن الصلاح ﵀ في تعريف الحديث خمسة شروط:
أن يكون راويه عدلا.
أن يكون ضابطا.
أن يكون إسناده متصلا.
ألا يكون الحديث شاذا.
وألا يكون معللا.
هذه خمسة شروط مشهورة في تعريف الحديث، أو في شروط الحديث الصحيح، وهي شروط غاية في الإحكام والدقة إذا طُبِّقَتْ، هذه الشروط وضعها علماء الحديث، أو أُخذت، بالمناسبة علماء الحديث -مثلا- لا تجد في كلام الإمام أحمد المشهور هذه خمسة أو كذا، ما يقولونه؛ لأنهم ﵏ اشتغلوا بأي شيء هم؟ بالتطبيق.
فهذه الشروط أُخذت من عمل، من كلام مجمع لأهل الحديث، ومن عملهم -رحمهم الله تعالى-، من كلام لهم بأنهم يقولون: لا يؤخذ العلم إلا عن كذا وكذا وكذا، هذا في الرواة.
ومن قولهم: إنه لا يحتج بالأحاديث المرسلة، أو نقدهم للأحاديث بالانقطاع.
ومن قولهم: إن هذا الحديث شاذ أو منكر، ومن قولهم: إن هذا الحديث معلل إذا احتج عليهم به، أو إذا سئلوا عنه.
فمن عملهم أُخذت هذه الشروط الخمسة، وهي -كما ذكرت- شروط محكمة دقيقة.
قال ابن الصلاح -رحمه الله تعالى-: هذا الحديث أو هذه الشروط إذا توافرت في حديث حُكِمَ له بالصحة بلا خلاف بين أهل الحديث، وهذا الكلام كلام صحيح.
يعني: إذا توافرت هذه الشروط فالحديث صحيح بإجماع أهل الحديث.
ثم ذكر شيئا مهما، كأنه يقول، أو كان قائلا له يقول ويسأل: إذا كان أهل الحديث اشترطوا هذه الشروط، فلم -انتبهوا لهذا السؤال، وهو سؤال مهم- إذا كانوا اشترطوا هذه الشروط لم يختلفون في بعض الأحاديث أنها صحيحة أو ليست بصحيحة؟ لم يختلفون؟ هذا سؤال عريض أو كبير، أجاب عنه ابن الصلاح.
الجواب عنه هو قوله: "لاختلافهم في وجود هذه الأوصاف". هذا سبب، ما معنى هذا السبب: "لاختلافهم في وجود هذه الأوصاف"؟
1 / 12
يعني: معناه أن الإمام يأتي إلى هذه الشروط، فيجتهد في تطبيقها على الحديث المعين، فربما أدَّاه اجتهاده إلى أن هذه الشروط موجودة، فإذن يحكم بأي شيء على الحديث؟ يحكم بالصحة.
وربما إمام آخر اجتهد، فرأى أن شرط الاتصال قد تخلف، فإن فلانا عنده هو لم يسمع من فلان، لِمَ عنده لَمْ يسمع من فلان، وعند الإمام الآخر قد سمع من فلان؟
هذا سؤال آخر، ويترتب عليه جواب آخر وهو أنه إثبات السماع مبني على أي شيء أيضا؟ على الاجتهاد والقرائن، فعملهم كله -رحمهم الله تعالى- مبني على الاجتهاد وإعمال القرائن.
فالمقصود أن هذا الجواب لاختلافهم في وجود هذه الأوصاف، قد يرى إمامٌ أن هذه الأوصاف موجودة في الحديث هذا، فيحكم بصحته، ويرى إمام آخر أنه قد تخلف شرط من هذه الشروط، قد يرى هذا الحديث معللا، ولا يراه الآخر معللا.
وهذا باب واسع، أمر معروف اختلاف أهل الفن، هل يوجد فن اتفق أهله على كل قضاياه، أو ما يوجد؟
ما يوجد، نحن نقول دائما: حتى العلوم المادية، العلوم المادية، نحن نعرف أن علم الحديث علم مادي، أو علم نظري أو معنوي، بلا إشكال هذا علم معنوي مبني على القرائن، وعلى النظر، وعلى تجميع الأدلة، وعلى..، ليس علما ماديا، ليس أمامك مادة تفحصها، ومع هذا أهل هذه العلوم المادية بينهم اختلاف كبير.
لو أخذت علم الهندسة، لو أخذت علم الطب، لو أخذت علم الفلك، هذه الأمور المحسوسة ستجد بينها اختلافا، فما بالك بالعلوم التي هي علوم معنوية بلا إشكال؟
وهذا أمر لا بد منه، يعني: هذه سنة الله في خلقه كما يقولون، ولولا هذا الاختلاف لذهب طعم العلوم، الاختلاف هذا هو الذي تظهر فيه نكهة العلم، هو الذي يتميز فيه العالم، يتميز فيه المجتهد، وإلا لتساوى الناس في العلوم لو كانت الأحكام الفقهية كلها معروفة مقننة، لم يظهر أن فلانا مجتهد، أو أنه متميز في الاجتهاد، أو في الفتوى، وهذه سنة الله، لا بد أن نتعامل معها بهذه الطريقة.
1 / 13
فعلماء الحديث يختلفون، إذن علل ابن الصلاح سبب اختلافهم، والسبب الأول ما هو؟ اختلاف اجتهادهم في توافر هذه الشروط.
ذكر سببا آخر، قال: "أو في اشتراط بعضها كما في المرسل".
ما معنى هذا الكلام؟ الحقيقة هذا الكلام في شيء من، ما معناه. معناه ما هو؟ عبارة عن نقد للشروط الخمسة، يقول: إن بعضهم قد لا يشترط بعض هذه الشروط، والحقيقة أن هذا الكلام يحتاج إلى توثيق، نحن نقول لكل من يقول إنهم لا يشترطون، أو إن منهم أن لا يشترط بعض هذه الشروط، نطلب منه أن يسمي لنا هذا، يعني: ما وقفت على إمام قيل -مثلا- هو قال كما في المرسل -ما معنى كلامه- أن بعضهم يصحح الحديث وإن كان منقطعا. أليس هذا معنى كلامه؟ وهو معنى كلامه هذا.
فإذن نقول: هذا الاختلاف -يعني- أو هذا السبب يعني فيه نظر، السبب الأول هو -يعني- بلا إشكال هو السبب الرئيس في سبب الاختلاف، وأما أن كون بعضهم لا يشترط بعض هذه الشروط من أهل الحديث. نعم، فيه من أهل الفقه وأهل الأصول من لا يشترط بعض هذه الشروط، لكن الكلام في اصطلاح من الآن؟
الكلام في اصطلاح أهل الحديث مجمعون على هذه الشروط، ولهذا السبب فإن الذهبي ﵀ في "الموقظة" عبر عن التصحيح بالاحتجاج، قال: فإن كان مرسلا ففي الاحتجاج به اختلاف.
وهناك فرق بين التصحيح وبين الاحتجاج، لا تلازم بينهما، لا أطيل بهذا، المهم نضيف سببا للاختلاف، نضيف سببا للاختلاف.
إذن، السبب الرئيس ما هو الآن؟ الاجتهاد في تطبيق الشرط، تضيف سببا فقط تقول: ومن الأسباب الرئيسة في الاختلاف: الاختلاف في تحقيق الشرط، من المهم جدا هذا.
ما معنى الاختلاف في تحقيق الشرط؟ يعني: مثلا لو أخذنا الشرط الأول، الذي هو الضبط، من العلماء من يشدد في الضبط، فلا يصحح إلا من هو في الدرجة العليا من الضبط، ومنهم من يتسامح في تحقيق هذا الشرط، فربما صحح لأناس من متوسطي الدرجة.
1 / 14
إذن، هذا الاختلاف هل هو اختلاف اجتهاد في التطبيق، أو اختلاف في أصل الشرط ما هو؟ في أصل الشرط ما هو؟
مثل الاتصال؛ بعضهم يقول: لا أحكم بالاتصال إلا إذا ثبت لي أن فلانا قال: حدثنا فلان، وبعضهم يكتفي بالمعاصرة، هذا أمر معروف.
إذن، هذا الاختلاف في أي شيء سببه؟ في تحقيق الشرط.
إذن، هما سببان رئيسان في اختلاف العلماء في الحديث الواحد، إذا صححه بعضهم ولم يصححه البعض.
السبب الأول: راجع إلى اختلافهم في تحقيق الشرط، بعضهم يشدد، وبعضهم ربما تسامح، وكذلك في الشذوذ، وفي العلل.
السبب الثاني: ما هو؟ اختلاف في الاجتهاد في تطبيق هذه الشروط.
وكل أسباب الاختلاف في الحقيقة ترجع إلى هذين السببين، كل الأسباب قد تتفرع، قد -يعني- مثلا نفصل في أسباب الاختلاف، لكن مع التفصيل فهي ترجع إلى هذين السببين: إما اختلاف في الاجتهاد في تطبيق هذه الشروط، وإما اختلاف في أصل الشرط، أو في تحقيق الشرط ما درجته. نعم.
حاصل حد الصحيح
قلت: فحاصل حد الصحيح أنه المتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله حتى ينتهي إلى رسول الله ﷺ أو إلى منتهاه من صحابي أو من دونه، ولا يكون شاذا، ولا مردودا، ولا معللا بعلة قادحة، وقد يكون مشهورا أو غريبا، وهو متفاوت.. نعم.
هذا أضافه ابن كثير ﵀، ما الجديد في كلامه على كلام ابن الصلاح؟
لو تأملناه وجدنا الجديد عنده هو أنه شرح كلمة "إلى منتهاه" يعني شرحها، ما المراد بـ"إلى منتهاه"؟
قد يكون منتهاه مَنْ؟ الرسول ﷺ وقد يكون منتهاه الصحابي، وقد يكون منتهاه التابعي.
قد يُشْكِل على هذا أنه العنوان، أو هم يقولون: تعريف الحديث الصحيح، فلان قال: أما الحديث الصحيح، فهل يطلق على كلام الصحابي وكلام التابعي أنه حديث؟ يطلق أو ما يطلق عليه أنه حديث؟
1 / 15
لا، حتى في اصطلاح أهل الحديث لا بد من معرفة هذا، أن كل هذا يسمونه حديثا، ما عندهم إلا هذه التسمية، حتى الموقوف، حتى المقطوع، فهذا أمر مهم، يعني: نعرفه.
مثلا: لو أخذت كتابا للإمام أحمد، قال لك هذا الحديث، أو رويت عن فلان حديثين، ثم ساقهما، واحد من الحديثين قد يكون عن عكرمة من قوله، وقد يكون الآخر عن ابن عباس من قوله أيضا، لا تستغرب هذا؛ فإن الحديث كل ما ُرِوَي عندهم يطلق عليه أنه حديث.
نحن نسميها ماذا؟ ماذا نسمي الموقوفات على الصحابة والتابعين في العصر الحاضر؟ أثر. هذا اصطلاح جاء فيما بعد، حتى أن النووي ﵀ نسب هذا الاصطلاح في الأصل إلى فقهاء خراسان، وليس إلى محدثي خراسان، وإنما إلى فقهاء.
ولكن هذا الذي نسبه إلى فقهاء خراسان استقر فيما بعد حتى وصلَنا في العصر الحاضر، تجد المؤلفين أو طلبة العلم يقول لك: هذا فهرس للأحاديث، وهذا فهرس لأي شيء؟ للآثار. يقصد بالأحاديث ما رُوي عن النبي ﷺ أما فيما روي بالآثار ما روي عن الصحابة والتابعين، أما في اصطلاح أهل الحديث فكله يسمى حديثا.
وهذا الأمر -يعني- يحتاج بس فقط إلى بعض التنبيهات وضرب الأمثلة، ليس هذا وقته، ربما أشير إليه -أيضا- فيما بعد.
ما الذي أضافه ابن كثير؟
أضاف قال: ولا يكون شاذا. أضاف بعدها، ماذا أضاف؟ ولا مردودا. ابن كثير ﵀ بإيش تعلق عليه؟ تقول: هذه الكلمة لم يشرحها ابن كثير هنا، ولم يخصص نوعا لأي شيء؟ للمردود.
لم يوضح مراده بهذه الكلمة التي زادها على ابن الصلاح، وما أدري ماذا يريد، لكن احتمال أنه يريد النكارة، احتمال يريد أنه بشرط ألا يكون الحديث مردودا، يعني: منكرا ترك العلماء العمل به وردوه، وإن كان ظاهر إسناده الصحة.
1 / 16
يحتمل أن يكون يريد بهذا زادها على ابن الصلاح ﵀، زاد قوله: "ولا مردودا"، ولم يشرح المراد بالمردود لا هنا، ولم يخصص له نوعا أيضا، فيحتمل -والله أعلم- أنه يريد بالمردود المنكر، يعني: لم يرده الأئمة؛ لأن هناك من الأحاديث كما تعرفون وردت، ولكنها أنكرها العلماء -يعني- أنكرها العلماء، وربما، أو قالوا: هذا الحديث ليس عليه العمل، أو -يعني- نحو هذه الكلمات، وربما يأتي معنا -إن شاء الله تعالى- المنكر.
زاد بعده، زاد أيضا على ابن الصلاح: "وقد يكون مشهورا أو غريبا"، هذا ليس من التعريف، هذا ليس من التعريف؛ وإنما هذا وصف كاشف مراد ابن كثير ﵀، وإن كان معروفا من كلامه، يعني: ظاهرا من كلام ابن الصلاح.
هو يريد أنه يقول: لا يشترط بالحديث الصحيح أن يكون له أكثر من طريق، هذا قصده، فقد يكون غريبا، وقد يكون مشهورا.
وسيأتي -إن شاء الله تعالى- شرح الغريب، وشرح المشهور -يعني- في أماكنها بحول الله وقوته. نعم. تفضل. اقرأ.
مراتب الحديث الصحيح
وهو متفاوت في نظر الحفاظ في محاله، ولهذا أطلق بعضهم أصح الأسانيد على بعضها، فعن أحمد وإسحاق، وأصحها الزهري، عن سالم، عن أبيه.
وقال علي بن المديني والفلاس: أصلحها محمد بن سيرين، عن عبيدة، عن علي ﵁.
وعن يحيى بن معين: أصحها الأعمش، وعن إبراهيم، عن علقمة، عن ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه-.
وعن البخاري: مالك، عن نافع، عن ابن عمر -رضي الله تعالى- عنهما.
وزاد بعضهم: الشافعي، عن مالك؛ إذ هو أجل من روى عنه.
نعم، هذا المقطع يتعلق، عنوانه مراتب الحديث الصحيح، هذه المراتب أنا أسألكم الآن بالنظر إلى إسناد الحديث، أو بالنظر إلى من أخرج الحديث؟
هم يقسمون مراتب الحديث بطريقتين، أو يجعلون مراتب للحديث بطريقتين:
الطريقة الأولى: بالنظر إلى إسناد الحديث.
1 / 17
والطريقة الثانية: بالنظر الى من أخرج الحديث، ويقولون -مثلا-: أعلى مراتبه ما اتفق عليه الشيخان، ثم ما أخرجه البخاري، ثم ما أخرجه مسلم، وهكذا.
فهذا الترتيب الذي معنا هو أشار إليه ابن كثير إشارة بقوله: "وهو متفاوت في نظر الحفاظ في محاله".
ما معنى: "في محاله"؟
يعني: في رواته، أو في الإسناد نفسه، فمن كلمة ابن كثير هذا نفهم أمرا مهما جدا لا بد من أن نضعه في أذهاننا أن الحديث الصحيح -بالنظر إلى أسانيده، وليس إلى من أخرجه- ليس على مرتبة واحدة؛ فمنه ما رتبته عالية، الحديث الصحيح قد يكون له طريق واحد فقط، وقد يكون له أكثر من طريق، وقد يكون له طريقان، ثلاثة، أربعة، خمسة، قد تزيد طرقه.
وقد يكون الحديث الصحيح لم تتوجه إليه العلة أصلا، وقد يكون توجهت إليه علة، وإن لم تكن قادحة، وأمور أخرى توضح لك أن الحديث الصحيح على مراتب.
هنا الآن -بالنظر إلى نفس الإسناد- العلماء -رحمهم الله تعالى- تكلموا في أصح الأسانيد، ماذا نأخذ من كلامهم؟ أن هناك أصح وصحيحا، وهذا هو مرادهم بهذا، أن هناك أسانيد بالدرجة العليا من الصحة، وأسانيد دونها، وأسانيد دونها أيضا.
من العلماء من يقسم المراتب، قسمها الذهبي إلى ثلاث مراتب، وهي قابلة للتقسيم إلى أربع، أو إلى خمس:
المرتبة الأولى: التي ذكرها ابن كثير ﵀ هي المرتبة العليا، وهي أن العلماء -رحمهم الله تعالى- سئلوا واجتهدوا في الحكم على ما هو أصح الأسانيد في نظر هذا الإمام، وكلٌ أجاب بما توصل إليه اجتهاده، ونحن نعرف عندنا -أولا- ذكر ابن كثير ﵀ الآن عددا من الأسانيد التي قال فيها العلماء: إنها أصح الأسانيد.
1 / 18
هذا ذكره على سبيل الحصر، أو على سبيل التمثيل؟ على سبيل التمثيل ذكر هو مجموعة من الأمثلة أوصلها العراقي إلى ستة عشر، وأوصلها ابن حجر ﵀ إلى عشرين، جمع منها عشرين إسنادا مما قال فيه عالم من العلماء أو أكثر من عالم: إن هذا الإسناد أصح الأسانيد.
وتعرفون كتاب الحافظ العراقي "تقريب الأسانيد"، له كتاب اسمه "تقريب الأسانيد"، شرحه، ألفه ﵀ لولده لكي يسهل عليه الحفظ، ثم شرحه بكتاب "شرح التقريب"، وأكمله ولده أبو زرعة.
هذا الكتاب مبني على هذا العلم، أو على هذا الأمر، التي هي الأسانيد التي قيل فيها: إنها أصح الأسانيد، جمع الأحاديث المروية بستة عشر إسنادا قيل فيها: إنها أصح الأسانيد. ثم شرح هذه الأحاديث.
فإذن، هذه هي المرتبة الأولى، وهي التي قال العلماء عن أسانيدها، أو قال عالم أو أكثر: إن هذا الإسناد إنه أصح الأسانيد، وهي أسانيد في الذروة -كما تسمعون الآن- لك مثلا الزهري عن سالم. من هو سالم؟ سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، عن أبيه عبد الله بن عمر.
وعبد الله بن عمر صحابي معروف، وسالم هذا من كبار الفقهاء، هو أحد الفقهاء السبعة، وحافظ للحديث، والزهري الإمام المعروف.
الإسناد الثاني محمد بن سيرين التابعي الجليل، عن عبيدة بن عمرو السلماني، عن علي بن أبي طالب ﵁ والذي بعده الأعمش الإمام المعروف، عن إبراهيم بن يزيد النخعي، عن علقمة.
من هذا علقمة؟ ابن وقاص أو ابن قيس، أيهما أشهر؟ الأشهر ابن قيس، هذا فقيه مشهور من أصحاب عبد الله بن مسعود، أما علقمة بن وقاص فالذي شهره ما هو؟ أنه هو راوي حديث:؟ إنما الأعمال بالنيات؟ لكن الأشهر منه هو هذا علقمة بن قيس أحد كبار أصحاب عبد الله بن مسعود ﵁ وأرضاه.
ثم ذكرعن البخاري أنه أصح الاسانيد: مالك، عن نافع، عن ابن عمر.
1 / 19
وأيضا قال به أبو حاتم يقول لأبي زرعة: يا أبا زرعة، -نسيت العبارة- لكن يقول: ليس ذا زعزعة عن زوبعة، إنما هو ترفع السترة، فتنظر إلى رسول الله ﷺ مالك، عن نافع، عن ابن عمر. وثوقا منهم بهذا الإسناد.
ومنهم من يبدل مالكا بأيوب، ومنهم من يبدل أيوب بعبيد الله بن عمرن هؤلاء الثلاثة من كبار أصحاب من؟ نافع مولى ابن عمر.
ونافع هذا -مولى ابن عمر- من الحفاظ الأجلاء، حتى قال ابن تيمية -رحمه الله تعالى- فيما أذكر أنه يقول هذا: يقول العلماء: إنه لا يعرف له غلط، -يعني- وهذا من النوادر جدا أن يكون الإنسان لا يضبط عليه خطأ -يعني- متأكد منه.
ومنهم من يذكر الأعمش عن إبراهيم، منهم من يذكر مكان الأعمش منصور بن المعتمر، عن إبراهيم.
ومنهم من يذكر إسناد عبيد الله بن عمر، عن القاسم، عن عائشة. فهذه أسانيد من أصح الأسانيد.
هذا موضوع متعلق بأصح الأسانيد، ولعلنا نكتفي بهذا اليوم -إن شاء الله تعالى-، وفي الغد وما بعده لعلنا نسرع أكثر، ويكون التعليق أخص من هذا، والآن إن كان فيه أسئلة؟
س: أحسن الله إليكم، السؤال الأول يقول: هل مجرد إيراد الحديث عند ابن حبان وابن خزيمة في كتابيهما يعد أنهما صححاه؟
ج:هذا الموضوع -إن شاء الله تعالى- لعلنا نرجئه؛ لأن ابن كثير -رحمه الله تعالى- سيتكلم على درجة أحاديث صحيح ابن خزيمة وصحيح ابن حبان، لعلنا نصله في الغد -إن شاء الله تعالى.
س: أحسن الله إليكم، يقول: ما صحة رواية عن عباس بن حكيم، عن أبيه، عن جده؟
ج: هذه ربما تأتي معنا أيضا، يجعلها العلماء، من العلماء من يضعفها، ومنهم من..، ولكن هي -يعني- جعلها العلماء في مرتبة الحديث الحسن، يعني لم يخرج منها البخاري ومسلم شيئا، وكلها في السنن، هي نسخة معروفة، نسخة بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده.
1 / 20