***195]
اللهم إني أسئلك من شرفك بأشرفه، وكل شرفك شريف، اللهم إني أسئلك بشرفك كله.
ومما اتضح أمره وشاع ذكره عند الإلهيين من أصحاب الحكمة المتعالية والفلسفة العالية والسالكين من أرباب الذوق وذوي قلوب صافية وعيون بصيرة غير رامدة على اختلاف مسلكهم وتفاوت مشربهم بالسلوك العلمي والطريق البرهاني أو بالسير العرفاني والكشف المعنوي الوجداني العياني عقيب الخلوات والتجهيز عن الدنيا إلى الآخرة ومن حدود بقعة الإمكان المظلمة إلى فضاء عالم القدس: إن الوجود خير وشريف وبهاء وسناء، وإن العدم شر وخسيس وظلمة وكدورة، فهو الخير المحض والشرافة الصرفة التي يشتاق إليه كل الأشياء، ويخضع عنده كل متكبر جبار، ويطلبه كل الموجودات، ويعشقه كل الكائنات، ويدور عليه مدار كل خير وشرافة، ويتوجه إليه كل سالك، وأنيخ إلى جنابه كل الرواد، وحل إلى فنائه كل الراحلة إن ذكر الخير كان أوله وآخره وظاهره وباطنه وأصله ومعدنه، لكن كل ذلك لا بمعناه المصدري والمفهوم الإنتزاعي الإعتباري، بل بما إنه حقيقة الوقوع في الخارج وعين الأعيان الخارجية ومتن الحقايق النفس الأمرية وأصل التحقيقات ومذوت الذوات ومجوهر الجواهر ومحقق الاعراض.
فكل خير وشرف وحقيقة ونور، مرجعه الوجود، وهو الأصل الثابت والشجرة الطيبة، وفروعه ملأت السموات والأرض والأرواح والأشباح.
وكل شر وخسة وبطلان وظلمة مرجعه العدم وهو الشجرة الخبيثة المظلمة المنكوسة وما لهذه الشجرة من قرار، والمهية من حيث ذاتها لا تتصف بالخيرية والشرية، لأنها ليست إلا هى ومع ذلك بحسب اللاقتضايى الذاتي والإمكان المهيتي كانت هالكة زائلة باطلة، وإذا خرجت من حدود بقعة العدم ودار الوحشة، وانعكفت إلى باب أبواب الوجود وشربت من عينه الصافية تصير شريفة خيرة بالعرض والمجاز، وكلما كان الوجود أتم وأكمل كان الخير والشرافة فيه أكثر، إلى أن ينتهي إلى وجود لا عدم فيه وكمال لا نقصان فيه، فهو شرف لا خسة فيه وخير لاشرية فيه ، وكل الخيرات والشرافات من إفاضاته وإشراقاته وتجلياته وأطواره وتطوراته ولا خير وكمال حقيقي ذاتي إلا له وبه ومنه وفيه وعليه، وساير المراتب لها خيرات باعتبار الإنتساب إليه ومظهريتها له وأما باعتبار الإنتساب إلى أنفسها فلا كمال لها ولا خيرية ولا حقيقة ولا شيئية.
Страница 151