هداه قبل أن يسأله لم يبعد أن يقول: إنما أوتيته على علم عندي. وكذلك "كلكم جائع" إلى آخره يعني أنه خلق الخلق كلهم ذوي فقر إلى الطعام فكل طاعم كان جائعا حتى يطعمه الله بسوق الرزق إليه وتصحيح الآلات التي هيأها له فلا يظن ذو الثروة أن الزرق الذي في يده وقد رفعه إلى فيه أطعمه إياه أحد غير الله تعالى وفيه أيضًا أدب للفقراء كأنه قال: لا تطلبوا الطعام من غيري فإن هؤلاء الذين تطلبون منهم أنا الذي أطعمهم "فاستطعموني أطعمكم" وكذلك ما بعده.
وقوله: "إنكم تخطئون بالليل والنهار" في هذا الكلام من التوبيخ ما يستحي منه كل مؤمن وكذلك أن الله خلق الليل ليطاع فيه ويعبد بالإخلاص حيث تسلم الأعمال فيها غالبًا من الرياء والنفاق أفلا يستحي المؤمن أن لا ينفق الليل والنهار [في الطاعة] فإنه خلق مشهودًا من الناس فينبغي من كل فطن أن يطيع الله فيه أيضًا ولا يتظاهر بين الناس بالمخالفة وكيف يحسن بالمؤمن أن يخطئ سرًا أو جهرًا لأنه ﷾ قد قال بعد ذلك: "وأنا أغفر الذنوب جمعيًا" فذكر الذنوب بالألف واللام التي للتعريف وأكدها بقوله: "جميعًا" وإنما قال ذلك قبل أمره إيمانًا بالاستغفار لئلا يقنط أحد من رحمة الله لعظم ذنب ارتكبه.
قوله: "يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم" إلى آخره: فيه ما يدل على أن تقوى المتقين رحمة لهم وأنها لا تزيد في ملكه شيئًا.
وأما قوله: "لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد" إلى آخره ففيه تنبيه الخلق على أن يعظموا المسألة ويوسعوا الطلب ولا يقتصر سائل ولا يختصر طالب فإن ما عند الله لا
1 / 89