لإمام أبي الحسين المعروف بابن بطال المالكي، أنه قال: مذهب جماعة أهل السنة من سلف الأمة وخلفها: أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص بدليل قوله تعالى: ﴿لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ﴾ ١. ونحوها من الآيات. قال بعض العلماء: نفس التصديق لا يزيد ولا ينقص، والإيمان الشرعي يزيد وينقص بزيادة ثمراته وهي الأعمال ونقصانها، قالوا: وفي هذا توفيق بين ظواهر النصوص التي جاءت بالزيادة وبين أصل وضعه في اللغة وهذا الذي قاله هؤلاء وإن كان ظاهرًا فالأظهر والله أعلم أن التصديق يزيد بكثرة النظر لظاهر الأدلة ولهذا يكون إيمان المصدقين أقوى من إيمان غيرهم بحيث لا يغريهم السفه ولا يتزلزل إيمانهم بعارض بل لا تزال قلوبهم منشرحة منيرة وإن اختلفت عليهم الأحوال فأما غيرهم من المؤلفة ومن قاربهم فليسوا كذلك وهذا لا يمكن إنكاره ولا يشك في نفس تصديق أبي بكر الصديق ﵁ أن لا يساويه آحاد تصديق الناس، ولهذا قال البخاري في صحيحه قال ابن أبي مليكة: "أدركت ثلاثين [رجلًا] ٢ من أصحاب رسول الله ﷺ كلهم يخاف النفاق على نفسه ما منهم أحد يقول إن إيمانه كإيمان جبريل وميكائيل ﵈"٣. وأما إطلاق اسم الإيمان على الأعمال فمتفق عليه عند أهل الحق ودلائله أكثر من أن تحصر قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ ٤. أي صلاتكم. وحكي عن الشيخ أبي عمرو بن الصلاح في قوله ﷺ: "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم
_________
١ سورة الفتح: الآية ٤.
٢ زيادة من أصل الحديث في فتح الباري شرح البخاري.
٣ رواه البخاري في الإيمان باب خوف المؤمن أن يحبط عمله صفحة ١٠٩.
٤ سورة البقرة: الآية ١٤٣.
1 / 33