============================================================
شرح الأنفاس الروحانية إن هذا الوصال لو تبدل بالهجران لقى عارف المحبة محرقة فكره يقابلها رجاء الوصال، فإن قرب رجاء الوصال كان الإحراق أقل، وإن بعد كان أكثر وأحر، وان انقطع الرجاء والعياذ بالله احترق وهلك منها ولو دام هذا الوصال لانقطع دائما واختفى الحب وقل التلذذ.
وهل يزول الحب بالكلية بدوام الوصال؟
تقول: لا يزول لأن الحب إنما يتشأ من كون المحبوب على صفات جميلة لطيفة، وكؤن المحب أهلا للمحبة، فلا يبطل ما دامت الصفات جميلة حتى إن كان الحب لجمال الجارية مثلا لا يزول ما بقي الجمال أو زوال صفاتها الجسمانية أو ماتت، فلو كان المحب خلق في الوصال الدائم لم يذق ذوق الفراق.
وهل يكون له حب المحبوب؟
قلنا: نعم، لما عرف أن الحب إتما كان لكون المحبوب على صفات جميلة لطيفة وكون المحب أهلا للمحبة، وكان ما كان تلك الصفات إلى آن يموت المحب، أو ينسى المحبوب، ويطول نسيانه بسبب الجنون، والاغماء، وأشباههما، أو يجد المحبوب مثلأ فيبدل الحب و هذا بالحب متصور في حب المخلوق، أما في حب الخالق فلا، وأما الذي خلق في الوصال الدائم يشق عليه دراية الحب، حيث انه حبه لا يحرق، ولا يلتهب، ولا يحمله على الطلب؛ لأن جميع ذلك لا يكون مع الوصال الدائم قط، وإنما يكون مع الفراق وهو لم يذق طعم الفراق غير أنه لو كان دراكا الحب يمكته إدراك الحب بأن يقدر الفراق وهما، ويصور الهجران في فؤاده فيلتهب الحب عند ذلك من داخله فيمكنه أن يدر كه بذلك الطريق كمن له حبوب في الشاهد نحو الولد والجارية والوصال بينهما يدوم كما يهوى فإته لا يعلم أنه يحبه إلا بأن يقدر الفراق بموت محبوبه، أو بفراره منه، أو بأن يسرق منه،
Страница 257