137

شرح الاقتصاد في الاعتقاد - الراجحي

شرح الاقتصاد في الاعتقاد - الراجحي

Жанры

كلام الله للشهداء والدليل على ذلك
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وروى جابر بن عبد الله قال: (لما قتل عبد الله بن عمرو بن حرام قال رسول الله ﷺ: يا جابر! ألا أخبرك ما قال الله لأبيك؟ قال: بلى، قال: وما كلم الله أحدًا إلا من وراء حجاب وكلم أباك كفاحًا قال: يا عبد الله! تمن عليَّ أعطك، قال: يا رب! تحييني فأقتل فيك ثانية، قال: إنه سبق مني أنهم إليها لا يرجعون، قال: فأبلغ من ورائي، فأنزل الله ﷿: ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران:١٦٩])، رواه ابن ماجة].
وهذا الحديث لا بأس بسنده، وقد رواه ابن ماجة في المقدمة باب ما أنكرت الجهمية، وفي كتاب الجهاد، ورواه الترمذي أيضًا في كتاب التفسير، وابن أبي عاصم في السنة، وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال: صحيح الإسناد، وليس بحسن، ولا بأس به فيه إثبات الكلام لله ﷿، وفيه منقبة لـ عبد الله بن حرام -وهو والد جابر ﵁ عندما قتل شهيدًا يوم أحد، فقال النبي ﷺ لابنه جابر (يا جابر! ألا أخبرك ما قال الله لأبيك عبد الله بن حرام؟ قال: بلى، قال: ما كلم الله أحدًا إلا من وراء حجاب، وكلم أباك كفاحًا) يعني: ما كلم الله أحدًا إلا من وراء حجاب أي: من وراء واسطة (وكلم أباك كفاحًا) أي: مواجهة ليس بينه وبينه حجاب ولا رسول، وهذه منقبة لـ عبد الله بن حرام، وهي: أن الله كلمه من دون واسطة، وأما غيره فهو من وراء حجاب.
ما الذي قال الله له؟ قال الله لـ عبد الله بن حرام: (يا عبد الله! تمن عليَّ أعطك، فقال عبد الله بن حرام: يا رب! تحييني فأقتل فيك ثانية)، لما رأى فضل الشهادة وأن منزلتها عالية، وأن الشهيد له فضل عظيم تمنى أن يعاد إلى الدنيا مرة ثانية حتى يقتل شهيدًا مرة ثانية ليضاعف له الأجر، ويكون له أجر شهيدين، فقال الله: (إنه سبق مني أنهم إليها لا يرجعون)، أي: لا يرجعون إلى الدنيا، وهذا أيضًا قاله الشهداء الذين قتلوا في بعض الغزوات، لعل الله أن يستجيب لهم، فقال الله: (إني كتبت أنهم إليها لا يرجعون، قال: فأبلغ من ورائي).
فسأل الله أن يبلغ من وراءه (فأنزل الله ﷿: ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران:١٦٩])، فبلغ الله سبحانه عن عبد الله بن حرام، وبلغ عن الشهداء، وأخبر عن حالهم، وأنهم في عيش طيب، وأنهم أحياء يرزقون عند الله في حياة برزخية غير الحياة الحقيقة، قد زالت عنهم الهموم التي في الدنيا، والأكدار، والأنكاد، والأمراض، والأسقام، والخوف من الفتن التي في الدنيا، وتحققت لهم السعادة الأبدية، ولهذا جاء في الحديث (ما من مؤمن يموت وله عند الله خير، فيود أن يرجع إلى الدنيا إلا الشهيد فإنه يود أن يرجع إلى الدنيا مرة أخرى حتى يقتل شهيدًا مرة أخرى)، فالمؤمن إذا رأى ما أعده الله له من الكرامة في الجنة لا يتمنى أن يعود إلى الدنيا؛ لأنه قد زالت عنه جميع الهموم، والأسقام، والأمراض، والفتن التي كانت في الدنيا، فقد كان معرضًا للأسقام وللفتن وللهموم وللمصائب وللأمراض، والشهداء لهم منزلة عالية عند الله، ولهذا جاء في الحديث -إن ثبت-: (أرواح الشهداء في حواصل طير خضر، تسرح في الجنة، وترد أنهارها، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل معلقة بالعرش)، وأما المؤمن غير الشهيد؛ فإن روحه تتلاعب وحدها، تأخذ شكل طائر، كما في الحديث الآخر: (نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يلقاه)، فعوض الله أرواحهم أجسادًا تتلاعب بواسطتها، وهي حواصل طير تسرح في الجنة، فكان تنعم الشهيد أكبر من تنعم المؤمن، وإن كان كل منهما روحه في الجنة؛ وذلك لأن الشهداء بذلوا أرواحهم في سبيله ﷾.

7 / 5