شرح العقيدة الواسطية لخالد المصلح
شرح العقيدة الواسطية لخالد المصلح
Жанры
إثبات صفات شدة المحال والمكر والكيد لله سبحانه على الوجه اللائق به ﷿
قال ﵀: [وقوله: ﴿أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى﴾ [العلق:١٤]، وقوله: ﴿الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [الشعراء:٢١٨-٢٢٠]، وقوله: ﴿وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ﴾ [الرعد:١٣]، وقوله: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [آل عمران:٥٤]، وقوله: ﴿وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ [النمل:٥٠]، وقوله: ﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا﴾ [الطارق:١٥-١٦]] .
هذه الآيات ساقها المصنف ﵀ لإثبات هذه المعاني لله ﷿، ففيها إثبات شدة المحال لله ﷾، وفيها إثبات المكر، وفيها إثبات الكيد له جل وعلا، لكن اعلم أن هذه المعاني وهذه الصفات لم يصف الله ﷾ نفسه بها إلا على وصف الجزاء لمن فعل ذلك بغير حق، فهو ﷾ يمكر بمن مكر مكرًا باطلًا، ويكيد بمن كاد كيدًا باطلًا، فهي من الأفعال والصفات التي لم يصف الله ﷿ بها نفسه إلا في جزاء من استحق ذلك، وبه نعلم أن هذه الصفات منها ما هو محمود، ومنها ما هو مذموم؛ ولذلك لم ترد في كتاب الله ﷿ في إضافاتها إلى الله ﷾ -يعني: في وصف الله بها ﷾ إلا مقيدة من حيث الفعل، ومن حيث الوصف، أما من حيث ثبوت المعنى فقد ورد بدون تقييد، وذلك في قوله: ﴿وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ﴾ [الرعد:١٣]، فالمحال فسره السلف بالكيد والمكر، أي: وهو شديد المكر والكيد، وهذا المعنى يثبت له على وجه الإطلاق لا في مقابلة كيد أو مكر، وكذلك قوله تعالى: ﴿أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [الأعراف:٩٩]، ففيه ثبوت المكر دون ذكر مقابل، وقوله: ﴿إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾ [الأعراف:١٨٣] فيه ثبوت معنى الكيد له ﷾ دون ذكر مقابل.
لكن اعلم أن هذه المعاني من حيث إطلاق الفعل أو الوصف لله جل وعلا لم ترد إلا مقيدة، أما من حيث ثبوت أصل المعنى فإنها وردت مطلقة دون قيد لفظي، وإن كان هناك قيد معنوي، حيث إنها لم تذكر إلا في سياق كيد الكائدين أو مكر الماكرين أو غفلة الغافلين عن الله ﷿، فهي من حيث المعنى لم ترد إلا مقيدة بمعنى، وإن كان ثبت أصل اللفظ دون ذكر مقابل، لكن من حيث المعنى لا تستعمل هذه الصفات إلا في مقابل فعل من يستحق أن يفعل به ذلك، وتنبه لهذا.
واعلم أن سبب تعطيل من عطل هذه الصفات وقال: إنها لا تطلق على الله ﷿ إلا من باب المشاكلة، وإلا فليس لها حقيقة، أو من باب المقابلة ولا حقيقة لها، كقول المحرفين للصفات؛ فإنهم توهموا أن هذه المعاني لا يثبت منها إلا المعاني المذمومة، فلما كان في أذهانهم أن الكيد لا يكون إلا مذمومًا، والمكر لا يكون إلا مذمومًا، والمحال لا يكون إلا مذمومًا، قالوا: لا نثبت ذلك لله ﷿، وكذلك الخداع قالوا: لا يكون إلا مذمومًا، فلم يثبتوه له ﷾، فلما لم يستقر في أذهانهم إلا المعنى المذموم لهذه الصفات عطلوا الله جل وعلا منها، وقالوا: إنها لم تذكر في الكتاب إلى على وجه المشاكلة والمقابلة دون إرادة المعنى، وهذا غلط وعدم فهم لما دلت عليه النصوص.
ومن حيث الواقع المكر ليس مذمومًا على كل حال، وكذلك الكيد ليس مذمومًا على كل حال، وكذلك الخداع ليس مذمومًا على كل حال، بل هو في مقابل كيد الكائدين، ومكر الماكرين، وخداع المخادعين المبطلين؛ صفة كمال؛ ولذلك يتصف الله بها ﷾ في مثل هذه المواضع.
8 / 3