شرح العقيدة الواسطية للغنيمان
شرح العقيدة الواسطية للغنيمان
Жанры
مقام العبودية من أشرف مقامات النبي ﷺ
وقوله: «عَلَى عَبْدِهِ»، قد يقال: لماذا لم يقل: (على رسوله) حيث إن كلمة الرسول قد يكون مدلولها عند بعض الناس أبلغ من مدلول العبد؛ لأن كل الخلق عباد له، أما الرسول فهو الذي يصطفيه الله جل وعلا لرسالته، فلماذا عبر بالعبد؟
و
الجواب
أنه لابد أن يكون التعبير مقصودًا لله جل وعلا؛ لأنه علام الغيوب، فكل حرف من كتاب الله جل وعلا له معان، وله مدلولات يجب أن نتفهمها، ولا يقال إن لفظة (العبد) ولفظة (الرسول) ولفظة (النبي) سواء، ولذلك إذا عبر الله جل وعلا بلفظة، فلابد أن يكون تحتها معنى مناسب للمقام، وهو هنا: أن أشرف المقامات التي يقومها المخلوق لله جل وعلا هي أن يكون عبدًا محققًا للعبودية، فإذا تتبعنا القرآن وجدنا ربنا جل وعلا ذكر رسوله بلفظ العبودية في المقامات التي يثنى عليه بها، كمقام الدعوة إلى الله جل وعلا: ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا﴾ [الجن:١٩]، وهو من أشرف مقامات الرسول ﷺ التي بها يحيا الناس، ويخرجون من الظلمات إلى النور، فالحياة الحقيقية ليست بأن يدرك الأكل والشرب والتلذذ، بل بأن يعرف كيف يعبد ربه.
وكذلك ذكره بالعبودية في مقام الإسراء: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى﴾ [الإسراء:١]، فذكره بلفظ العبودية مضافًا إليه (بعبده)، وكذلك في مقام التحدي: ﴿وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ﴾ [البقرة:٢٣]، وذكره هنا في هذه الآية في مقام الإنزال والوحي: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ﴾ [الفرقان:١]، وكما قال في آية أخرى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا﴾ [الكهف:١] .
فهذه المقامات الأربعة هي أشرف مقامات النبي ﷺ، ذكره جل وعلا فيها بلفظ العبودية مضافًا إليه؛ مما يدل على أن العبودية أشرف ما يتحلى به العارف المتقي القريب من الله، هذا أمر.
وهنا أمر آخر: وهو أن يبين الله جل وعلا أن الرسول وإن كان كريمًا على الله جل وعلا، فهو لا يخرج عن عبوديته، وليس له شيء من الألوهية ولا من الربوبية، فهذا أيضًا مقصود.
1 / 13