Знаменитые женщины в исламском мире
شهيرات النساء في العالم الإسلامي
Жанры
قرر توران شاه بعد ذلك أن يقيم بفارسكور، فجمع رجاله وجنده وذهب بهم جميعا إلى المكان المنتخب لمعسكره، وهناك وجه اهتمامه لتشييد قصر فخم من الخشب على ضفة النيل ورفع بجانبه برجا عاليا جعله لمسكنه وملذاته الشخصية ، تلك الملذات التي انغمس في تيارها، ناسيا أمر الصليبيين وشئون الدولة.
كان يستقبل شمس يومه والكأس بيده، وتغرب الغزالة عن حقول فارسكور وهو ثمل مضنى الجسم مفكوك الأوصال من كثرة الانهماك في معاقرة بنت الحان ومنادمة الغلمان، كانت أيام حياته تمضي على هذه الوتيرة لا يعكر صفوها سوى عداوة متأصلة في نفسه نحو المماليك البحريين؛ إذ كان لا يطيق سماعا لنصائحهم وإرشاداتهم، فكان إذا جلس ليلا جمع حوله الغلمان الذين أحضرهم من دمشق؛ لأنه كان لا يستطيع مفارقتهم ساعة واحدة، وأوقد الشموع حولهم فإذا دب دبيب الخمر في النفوس وأخذت تلعب بالرءوس، قام توران شاه من مكانه ممتشقا حسامه، وبدأ في مهاجمة الشموع يحاربها ويكافحها، يقطع رءوسها ويمثل بجسومها، زاعما أنها أعداؤه المماليك البحرية.
بمثل هذه الحالة السيئة بدأ الملك المعظم توران شاه أيام حكمه وسلطنته لاهيا عن الواجبات التي يجب تنفيذها في مثل تلك الأيام العصيبة والأوقات الرهيبة التي يعانيها المسلمون، سائرا على المناهج الوعرة المؤدية إلى إثارة الفتن وتفكيك أوصال البلاد.
كان ملكا مستبدا وحاكما مغرورا وأميرا عديم الوجدان فكرهته الرعية بعد أربعين يوما من توليه الحكم وابتدأت تعيب عليه أعماله وحركاته، أما المماليك البحريون، تلك الكتلة القوية في عنصر الأمة فقد جاهرت علنا بعدوانه وأقسمت بالانتقام وأخذ الثأر عقب حادثة الشموع.
لم يبق إنسان في مصر يرعاه ويعمل لصالحه، فقد كسر القلوب وصدع النفوس وأمضى بيده حكم إعدامه، وبينما كانت شجرة الدر في قصرها بالمنيل تقضي أوقات الحياة محفوفة بالعز والإجلال، مرموقة بأنواع الترف وضروب الرفاهة، أرسل إليها توران شاه يطلب منها رد أموال أبيه وأملاكه إليه ويهددها باستعمال القوة والعنف، فردت عليه تقول إنها صرفت أموال أبيه في الجهاد المقدس إلا أن جوابها لم يرق في نظر توران شاه فغضب غضبا شديدا.
وقابل إجابتها بلهجة عنيفة لا يليق صدورها من رجل لامرأة أبيه، ما كانت شجرة الدر لتنتظر مثل هذه المعاملة وقد حركت هذه الحادثة الحنق والغيظ في تلك النفس العصبية دفعتها إلى تحريك المماليك ضد «توران شاه» في الحال، فلم يتردد هؤلاء في إجابة طلبها السابق لغيظهم منه واستعدادهم إلى مجابهته بالشر والعدوان.
تذكرت شجرة الدر جميل صنعها مع ابن زوجها، وكيف أنها جاهدت في سبيل كتمان خبر الوفاة وكيف دبرت مجيء ولي العهد ومهدت له سبيل الحكم، وكان كلما لجت بها الذكرى اشتد غضبها وازداد هياجها وتمردها نحو من أحسنت إليه فأساء المعاملة وقابل الجميل بالخيانة والنكران.
لو لم تكن شجرة الدر لانفجرت قنابل الثورات في البلاد عقب وفاة الملك الصالح، ولولا تدبيرها ومهارتها لساء الحال والمآل، أيكون جزاء سياستها الحسنة مقابلتها بالعدوان؟! أيصل بها الحال إلى هذا الحد من الامتهان بعد كفاحها وجهادها في سبيل توطيد دعائم العرش لابن زوجها؟! لا لوم عليها بعد اليوم ولا تثريب إذا هي رفعت لواء التمرد والعصيان، فقد اتسعت بينهما شقة الخلاف وأخذ الذين يحتاطون بتوران شاه يعملون على اشتداد الأزمة وينفخون في صدره ما يزيد النار ضراما فيقولون له: «إنما الملك والقوة في يد شجرة الدر، وما أنت سوى قالب للحكم، إنك لضعيف عاجز، لا تستطيع أن تتمتع بالسلطة ما دام منافسوك على قيد الحياة.»
تقع أمثال هذه الكلمات في نفسه وقوع القنابل فيثور ثورة الجنون، مقسما بأغلظ الأيمان على قتل جميع المماليك ولكن:
ما كل ما يتمنى المرء يدركه
Неизвестная страница