Знаменитые женщины в исламском мире
شهيرات النساء في العالم الإسلامي
Жанры
وعندما عيل صبره لم يطق احتمال رؤية الأسد يتعذب فأمر بأن تلقى إليه الشاة كاملة، فألقيت وهجم الليث على فريسته وقطعها إربا بين براثنه وأخذ يقضم العظام بأنيابه، وبعد أن استقرت كاملة في معدته ربض ربضة الآمن المطمئن وأخذ يصوب نظراته إلى الرشيد، تلك النظرات التي لم يذهب عنها بريق الحدة والغضب.
أما الرشيد فبعد أن وقف طويلا أمام هذا المنظر عاد إلى قصره وقد هدأت الثورة القائمة بين جوانب نفسه.
إنه ليفكر فيقول في سره: لو كنت الآن داخل القفص فأي شيء كان يمنع الليث من أن يهاجمني فيفترسني افتراس قطعة اللحم، كان يرى في نفسه وهو يمشي نحو القصر بين طرقاته المزينة بأصص الرياحين، أسدا ظامئا إلى الافتراس، نفسا طموحة إلى الانتقام، كان تواقا إلى التشفي من عدوه اللدود جعفر، ولكن هيهات لم تحن الفرصة بعد، فهو ينتظر الفرصة بفروغ صبر ولا يدعها تفلت من يده بعد اليوم.
وصل الخليفة إلى القصر وصعد توا غرفته الخاصة، وكان منظر الغروب جميلا يجذب الروح فجلس متكئا على النافذة يتأمل بحزن وإطراق ألوان السحب المتماوجة في السماء، وما لبث أن مد ببصره إلى الضفة الأخرى من الدجلة حيث يوجد قصر البرامكة.
ارتعشت نفس الرشيد داخل جسمه، كان الناس عند مدخل القصر ينتظرون أوامر الوزير، بين داخل وخارج، يهرولون ذات اليمين وذات اليسار وبينهم الجنود ورجال المعية في هرج ومرج، هنالك الضجيج، هنالك الحركة، هنالك كل شيء.
ارتكزت عيناه عند هذه النقطة من الضفة الأخرى وكلما لج به النظر، اشتد حنقه، وارتفع صدره بنيران الغيظ المضطرمة بين أحشاء قلبه، كانت أهداب عينه تهتز بحركة عصبية وهو يرى أن سكون الماء وهدوء الطبيعة لا يتخللها سوى حركة واحدة في تلك الساعة، هي الحركة الآتية من الضفة الأخرى أمام قصر جعفر.
أيقن الآن أن جعفرا هو حاكم بغداد وأمير الدولة وخليفة الإسلام، علم الآن أن جعفرا كان كل شيء، ولكن أين هو من هذا الضجيج؟ أين مكانته من هذه الحركة؟ أين عز الخلافة وشرف الجاه؟ هنالك في قصر البرامكة الذي يلمع بالأضواء ويموج بالحركة، أما قصر الرشيد فقد تسربل رداء السكون والصموت.
تبطنت أعماق نفسه بآلام خفية في هذه اللحظة فنسي كل شيء.
نسي صداقة جعفر وإخلاصه وفطانته، نسي أن هؤلاء المحتشدين حول دار وزيره جاءوا يلتمسون نداه، يستعطفون مروءته، يلتجئون إلى ظل شهامته، نسي أنهم وافدون إليه لقضاء مصالحهم، نسي أن جعفرا أخذ على عاتقه هذا الحمل ليخفف عنه العبء، نسي فصاحة وزيره وحسن تدبيره ودرايته، نعم، نسي كل شيء ولم يبق في عقله وذهنه إلا أمر واحد اهتزت له أرجاء روحه وأخذ قلبه يخفق لأجله من الحدة والألم، وكأني به يقول: «لست أنا الخليفة، وإنما الخليفة جعفر، ما أشد بلائي! كيف لم أفطن إلى هذه النتيجة؟! ماذا أستطيع أن أعمله الآن لو أن جعفرا نزع إلى انتزاع الحكم من يدي وسير رجال الجيش علي، وجلهم من الأعجام صنائع معروفه ونداه؟»
هذا ما كان يردده الرشيد في مثل هذا الظرف، لا سيما وقد اشتدت هجمات الأعداء ووشاياتهم في حقه، فلا يلتفت حتى يسمع واشيا ولا يمشي خطوة حتى يجد من يحدثه بخيانة جعفر له، وما أكثر الأوراق التي كان يجدها في سريره تحذره بعاقبة الحال وسوء المنقلب!
Неизвестная страница