وتؤجل قضية فأخرى فثالثة، ويمضي النهار وأنت مستمر في مقعدك ممدود الساقين تحت المكتب، تدخن بلا انقطاع، وتنظر إلى السقف ببلاهة. - تعبت من المشي. - لكنك تمشين أضعاف ذلك.
فقالت وهي تخفض البصر: آن لي أن أعترف لك بدوري، الراجح أنني حبلى.
فاهتز باطنه بموجة قاسية أكدت تلهفه على مفتاح الهرب السحري، وتمتم: لكن ...
فقالت بهدوء: يا عزيزي، أمر الله فوق كل تدبير.
ثم وهي تشد على ذراعه: وأنت لم تنعم بعد بولي العهد.
واستدارا راجعين، ونظرة دلال تمرح في عينيها، ومرحت النظرة طويلا حتى دق ناقوس الإنذار. وقال لنفسه إنه بشيء من الشراب سيطرد الفتور، ويمثل دور الحب كما يمثل الزوجية والصحة.
واستيقظ مبكرا بعد نوم ساعات معدودات، وطرق أذنيه صخب الأمواج العاصف في سكون الصباح المعتم. وزينب مستغرقة في النوم، مكتظة بالنوم والشبع، تنفرج شفتاها عن شخير خفيف متواصل، مشعثة الشعر. وأنت متضايق كأنما كتب عليك أن تناطح نفسك، وهذا يعني أنني لم أعد أحبك. بعد الحب القديم، والعشرة الطويلة، والذكريات المليئة بالوفاء لم أعد أحبك، لم تبق ذرة حب واحدة. ليكن عرضا يزول بزوال المرض، ولكني الآن لا أحبك، وهو أشقى ما ألاقي من مر التجارب. وها أنت تسمع شخيرها فلا تعطف، ولا يبتسم القلب. وتنظر إليها، وتسأل ماذا جاء بها؟ أو ماذا جاء بك؟ ومن ذا قضى بهذه السخرة اللعينة؟ - مصطفى ... ها هي الفتاة. - الخارجة من الكنيسة؟ - هي، هي ... انظر إلى فستانها الأسود حدادا على عمها ... أي ملاحة؟! - ولكن الدين! - لم أعد أكترث لهذه العوائق.
وقلت لها: يسعدني أنك تنازلت بقبول معرفتي. في حديقة العائلات قدم عمر الحمزاوي المحامي نفسه، فتمتمت بصوت لا يكاد يسمع: «كاميليا فؤاد.» يا عزيزتي حبنا أقوى من كل شيء، وسوف نتغلب على أي عائق، فقالت وهي تتنهد: لا أدري.
ويوما ضحك مصطفى في جو عاصف، وقال: إني أعرفك منذ عهد آدم، بحاثة عن المتاعب، زوبعة في بيتك، وزوبعة أعنف في بيتها، وأنا حائر بينكما.
ثم ما أجمل موقفه وهو يرفع كأسه صائحا: مبارك عليكما، أصبح الماضي في خبر كان، ولكن تضحيتك لا تقاس بتضحيتها، وللعقائد طغيان حتى على الذين نبذوها. صحتك يا زينب، صحتك يا عمر.
Неизвестная страница