كلام العدا ضرب من الهذيان
ثم إن فيها عشرة أبيات كلها ثناء وبكاء على شبيب، وليس فيها من الإشارة إلى الانتصار شيء. لقد حادثت أبا الطيب في هذا وحذرته من الانسياق وراء سوء عقيدته في كافور. فإن الرجل غادر ماكر، ونخشى أن يثب وثبة مفاجئة، وأبو الطيب أعز علينا من أنفسنا، فليس من الوفاء له أن نتركه يقذف بنفسه في هذه الفتن الهوج، وأن يسقط فيما ينصب له من فخاخ، وهنا ظهر الحزن على وجه عائشة وقالت: صدقت يا أخي، إن الناس جميعا يداجون، ولا يظفر بحاجاته منهم إلا أبرعهم في المداجاة، ثم نظرت إلى أبي الطيب وقالت: إننا نعيش في جو كله سموم، حتى إن سمومنا جاوزت مصر ووصلت إلى قدح السويق الذي شربه شبيب بدمشق. إنك لا تستطيع أن تصاول الأسود في ميدان؛ لأنه يحارب بأسلحة لا تعرف منها سلاحا، والخروج اليوم من مملكته محال؛ لأنه لو أراد لجعل لك من مصر كلها قفصا قضبانه من الحديد. فلم يبق إلا أن تجاهل الرجل وتصانعه حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا. فزفر المتنبي طويلا وقال: هذا حكم القدر الساخر، وإذا رأيتما أن لابد من مصانعة الأسود، فلابد، مما ليس منه بد، ولكن ماذا أفعل لأتقي شر هذا الخبيث؟ - تترك ذكر فاتك أولا فلا يمر لك بلسان، ثم تزور القصر في كل يوم، ثم تركب في مواكب الأسود أينما ذهب وسار، ثم تجامل ابن الفرات وأبا بكر بن صالح، ثم ترقب فرصة تنشد فيها كافورا قصيدة خالصة له واضحة المعالم، ليس فيها التفاف ولا التواء.
فتأوه المتنبي وتململ، وقال: إنني يا سيدتي كدت أيأس من الحياة، وأستهين بنعيمها وبؤسها. ثم أنشد وهو يتحفز للقيام:
بم التعلل؟ لا أهل ولا وطن
ولا نديم ولا كأس ولا سكن
أريد من زمني ذا أن يبلغني
ما ليس يبلغه من نفسه الزمن
لا تلق دهرك إلا غير مكترث
ما دام يصحب فيه روحك البدن
مرض
Неизвестная страница