ثم أبكاهم دما حين نطق
فصاح الهوزني مقهقها: أضغاث أحلام، وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين.
ثم استأذن وانصرف، فلقي في الطريق سير بن أبي بكر، فمال به إلى ناحية، وأخذ يلح عليه، ويحثه على الوثوب على المعتمد، ويذلل له كل صعب، ويسد عليه كل باب. فقال له سير: وماذا أصنع وأمير المسلمين ينصح بالانتظار؟ - اكتب إليه ما أمليه عليك. - اكتب أنت، فما أنا بكاتب.
فكتب الهوزني كتابا عن لسانه لابن تاشفين، يشكو منه من ملوك الأندلس جميعا، ويقول: إنهم منصرفون إلى لذاتهم، وقد تركوه يقاسي الشدائد هو وجنده من غير أن يمدوه بمال أو رجال، وإنه يخشى أن ينقلب هؤلاء الملوك عليهم بالاستعانة بالإسبان. بعث سير الرسالة إلى ابن تاشفين، فأمره ابن تاشفين أن يحارب ملوك الأندلس واحدا واحدا، وأن يجعل آخر غزوه لابن عباد.
فأسرع ابن أبي بكر إلى إنفاذ أمر سيده، واستولى على ولايات ملوك الطوائف. ثم حاصر إشبيلية، ووصل خبر حصارها إلى المعتمد وهو بين جواريه وندمائه فذعر من بالقصر، وولول النساء والجواري، وخرج المعتمد وعليه غلالة شفافة، فامتطى صهوة جواده، واستل سيفه في يده، وصاح في حرس قصره: اقتلوا البربر الغادرين.
وكان البربر قد دخلوا المدينة من باب الفرج، فصال فيهم بسيفه فتقهقروا، حتى إذا ذهبوا بعيدا عاد المعتمد، فرأى ابنه ملكا مقتولا عند باب الصباغين، فحمله بعض الحراس وهو ينتحب خلفه.
وكان الناس قد شملهم الذعر وخامرهم الجزع، فكانوا يثبون في النهر، ويقذفون بأنفسهم من شرفات الأسوار.
فلما كان العشرون من رجب، سنة أربع وثمانين وأربعمائة، اقتحم جند «سير» القصر، وقبضوا بالأيدي على المعتمد، فطلب الأمان لنفسه وأهله فأمن، وكان يبكي وينشد:
إن يسلب القوم العدا
ملكي وتسلمني الجموع
Неизвестная страница