Андалузский поэт и мировая премия
شاعر أندلسي وجائزة عالمية
Жанры
أما توماس هاردي الشاعر القصاص، فقد كان موقف اللجنة منه سليما من الوجهة الحرفية ضعيفا من الوجهة النفسية، وقد أثبت هذا الموقف حقيقة واضحة عن تقديرات اللجنة لا تحب أن تثبت عنها؛ لأنها تغض من شأن موازينها، وتلك الحقيقة الواضحة هي أنها قد تحرم الأديب من تقديراتها سنة بعد سنة في أوجه شهرته، ثم لا يحط ذلك من قدره في موازين الأدب، ولا في موازين الإنسانية.
قال كارفلد أمين سر اللجنة عن هاردي: إنه يجل عمله، ويزكي اقتداره على تصوير مناظر الطبيعة في بلده، وخصائص الأخلاق بين قومه، ويشفق من سوء أثر إهماله في نفوس أبناء وطنه، ولا يرى غضاضة على الشاعر ياتس من إرجاء تقديره إلى سنة أخرى لصغر سنه.
وقال مؤلف القسم الأدبي من كتاب «نوبل: الرجل وجوائزه» إنه كان من المؤيدين لترشيح هاردي، ويرى وجوب الالتفات بصفة خاصة إلى شعره الأخير الذي يعد فتحا أدبيا جديدا من رجل في مثل سنه، ولكن الفكرة التي كانت شائعة بين الأكثرين من أعضاء اللجنة أنه شديد التشاؤم والاستسلام للقدر المقدور على نحو لا يلائم روح الجوائز ومنحاها. ولم تتغير هذه الفكرة - لسوء الحظ - مع ترداد الترشيح عاما بعد عام، حتى أصبح كبر سنه أخيرا أكبر العوائق دون توجيه الجائزة إليه، لما سيبدو في هذه الحالة من أنها قد جاءته بعد فوات أوانها وفقدت معناها.
والخطأ هنا أن تشاؤم هاردي لم يكن أسوأ من تشاؤم أناطول فرانس الذي أجازته اللجنة لجمال أسلوبه وجودة فنه، وأن الموازين الآلية في فهم التشاؤم عجز يقع فيه من لا يفرقون بين تشاؤم العطف والأسى على الإنسانية، وتشاؤم الفتور وقلة الاكتراث، أو تشاؤم النفور وجمود الوجدان؛ إذ لا يتساوى في التشاؤم كاتبان: أحدهما يرثى للإنسان عطفا عليه وأسفا لقصوره أو شقائه، والآخر ينعي عليه عيوبه كأنه يتقصاها ويستريح إليها، ولا يريد أن يهتدي إلى حسنة بينها تقدح في سوء ظنه بها وحرصه على تسجيلها وإثباتها، ونحن لا نسمي الأب متشائما إذا صدمته الخيبة في وليده، فصاح به أنه لم يفلح، ولا نخاله مفلحا في حياته، ولكننا نحسب من التشاؤم أن يقال ما هو أهون من ذلك عن الطفل الغريب أو القريب كراهة للخير، واستراحة إلى الشر، حيث يكون وحيث يعم في مواطن الأمل ومواطن اليأس على السواء، ولعل تشاؤم هاردي فيه من الحب للإنسانية والتشوق إلى إسعادها ما ليس في المرح الرخيص الذي يتغنى به جمهرة «المتفائلين»، وليس عندهم من التفاؤل إلا عفو الساعة من المتعة المبذولة والغفلة عن مصائبهم ومصائب الناس، وهي غفلة مريحة ولكنها لا تحمد ممن يريد الخير ويطلبه لبني الإنسان. •••
وكيفما كان حكم اللجنة على هؤلاء الأعلام الثلاثة - تولتسوي وإبسن وهاردي - لقد كان لهم فيها أنصار مؤيدون، وكان لمعارضيهم حجة تستند إلى نصوص دستور اللجنة أو إلى تفسير تلك النصوص، فلم تتجاهلهم اللجنة، ولم تعتبر إهمال أدبهم أمرا مفروغا منه غنيا عن المناقشة والتأويل.
فالغرابة في موقف اللجنة منهم أقل من غرابة موقفها من نظرائهم الذين بلغوا مبلغهم من الشهرة العالمية ووافقوا في كتابتهم شروط النزعة المثالية، بل تعرضوا في سبيل مبادئهم وآرائهم لمحنة الشدة والاضطهاد، فثبتوا عليها ولم يتزحزحوا عنها، وعرف لهم العالم - كما عرف لهم ذوو الرأي من أبناء وطنهم - حق الجهاد وفضل الثبات عليه إلى ختام حياتهم، ومنهم من صمد لمقاومة العدوان في أزمات الحربين العالميتين، ومن قضى نحبه بعد الحرب العالمية الأولى في منفاه.
أحد هؤلاء «إبانيز»
Ibanes
الكاتب الإسباني، داعية الإصلاح والتعمير على قواعد الاشتراكية العادلة قولا وعملا في وطنه وفي أمريكا الجنوبية، وقد ناهض الحرب العالمية الأولى، وعاش بعد انقضائها بضع سنوات ذاعت في خلالها كتبه ورواياته، وترجمت إلى اللغات الأوروبية، وعرضت على اللوحة البيضاء، ومات (سنة 1928)، وله من الشهرة العالمية غاية ما يبلغه الكاتب باللغة الإسبانية في العصر الحديث، وقد آثرت عليه اللجنة أحد مواطنيه وهو في أوج شهرته بعد الحرب العالمية (1922)، فكان أغرب ما في هذا التمييز أنه حدث دون أن يسمع معه صوت واحد يقابل بين الأديبين، ويذكر وجه التفضيل والرجحان لسبب من الأسباب، وقد يقال في تفسير ذلك إن إبانيز كان معدودا من «المهيجين» السياسيين في عرف حكومته وجماعة المحافظين من أبناء قومه، ولكنه على أية حال كان خليقا أن يرشح وأن يقال في الاعتراض على ترشيحه ما عسى أن يقال من هذا القبيل.
ولا ندري نحن علة لهذا الموقف الغريب، إلا أن يكون مرجعه إلى رأي إبانيز في حكم أبناء الشمال لوطنه وتصريحه عند المقارنة بينه وبين الحكم العربي بأنه قد خرب في سنوات كل ما بناه العرب في عدة قرون.
Неизвестная страница