عهد أبي بكر بالخلافة بعده لعمر
أيها الأحباب! ونام الصديق بعد هذا التاريخ الحافل على فراش الموت ليسلم روحه إلى الله جل وعلا، ولكنه أضفى على الأمة وعلى الإسلام بركة أخرى لا يمكن أبدًا أن ينتهي اللقاء إلا ونشير إليها إشارة، فلقد استدعى عثمان بن عفان ﵁، وقال: يا عثمان! اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد به أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجًا منها، وفي أول عهده بالآخرة داخلًا فيها: أني قد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب، فأطيعوا له واسمعوا، ثم قال: فإن عدل فهذا علمي به وظني فيه، وإن بدل وغير فإن لكل امرئ ما اكتسب وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، والسلام عليكم ورحمة الله.
وأمر عثمان أن يخرج ليقرأ الكتاب على المسلمين، فقام المسلمون جميعًا وبايعوا عمر بن الخطاب ﵁، وما فعل ذلك الصديق إلا خشية من أن تحدث فتنة شديدة على الإسلام والمسلمين، ثم استدعى عمر فوصاه وصية جميلة رقيقة لا يتسع المقام والمجال لذكرها، ثم رفع الصديق يده ودعا الله لـ عمر بن الخطاب ﵁ وقال له: اللهم أصلحه وأصلح له الرعية.
وبعد أيام قليلة دخل ملك الموت مرة أخرى؛ لينزع أطهر روح وأشرف روح بعد روح المصطفى ﷺ، ليقبض أبا بكر ﵁، ولما اشتد به الوجع دخلت عليه الصديقة عائشة ﵂ تقول: لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت يومًا وضاق بها الصدر فكشف الصديق الغطاء عن وجهه، وقال: لا تقولي هذا يا ابنتي وإنما قولي: ﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ﴾ [ق:١٩] رضي الله عن أبي بكر وأرضاه وجمعنا الله جل وعلا به مع أستاذه ونبيه في جنة الله ومستقر رحمته، إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير.
اللهم اجز عنا أبا بكر خير ما جازيت مصلحًا أو صالحًا! اللهم اجز أبا بكر عن الإسلام خير الجزاء! اللهم اجمعنا به في دار كرامتك ومستقر رحمتك! اللهم صل وسلم وبارك على من علمه ورباه وخرجه وأنجبه لهذا الدين! اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وأصحابه وزوجاته وأتباعه وأطهاره وأخياره الذين اتبعوه بإحسان إلى يوم الدين! اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، وأعل بفضلك كلمة الحق والدين.
اللهم انصر المجاهدين في كل مكان، اللهم انصر المجاهدين في كل مكان، وقيض لأمة التوحيد أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، أنت ولي ذلك والقادر عليه.
اللهم وفق حكام المسلمين إلى العودة لكتابك، وسنة نبيك ﷺ، أنت ولي ذلك ومولاه! وأكثروا من الصلاة والسلام على حبيبنا ونبينا محمد، فإن الله جل وعلا قد أمركم بذلك في محكم كتابه، فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب:٥٦] اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أحبتي في الله! هذا وما كان من توفيق فمن الله وحده، وما كان من خطأ أو سهو أو زلل أو نسيان فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه براء، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه.
6 / 13