Серия Вера и Безверие - Введение
سلسلة الإيمان والكفر - المقدم
Жанры
دعوة الله الناس جميعًا إلى التوبة وأمره بالرفق في ذلك
لقد دعا الله ﷿ جميع عباده إلى التوبة، حتى من قال: إن المسيح هو الله، حتى من قال: إن الله ثالث ثلاثة، وحتى اليهود الذين قالوا: يد الله مغلولة؛ فما من أحد إلا ودعاه الله ﷿ إلى التوبة، قال تعالى: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [الأنفال:٣٨].
فالتوبة من أي ذنب سواء كان كفرًا أو دون الكفر إذا استوفت شروطها فهي مقبولة.
أيضًا دعا الله إليها من قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ﴾ [آل عمران:١٨١] ومن ادعى له الصاحبة والولد قال لهم جميعًا بعدما ذكر جميع هذه الأقسام، قال: ﴿أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة:٧٤].
بل دعا إليها من هو أعظم محادة لله ﷿ من هؤلاء جميعًا، هل هناك أعظم عنادًا وكفرًا من فرعون الذي قال: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى﴾ [النازعات:٢٤]، وقال: ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾ [القصص:٣٨]، فقال الله ﵎: ﴿اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى﴾ [النازعات:١٧ - ١٨]، فانظر إلى التلطف في العبارة: «هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى»، وانظر أيضًا إلى دقة موسى ﵇ ما قال: هل لك إلى أن أزكيك؟ أو ائت حتى أربيك وأنظف قلبك من الشرك والنجس والدنس، لم يضف التزكية إلى نفسه ﵇ وإنما أضافها إلى فرعون: «هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى»، أي: تتزكى أنت، وهذا من التلطف في العبارة، واستجابة لتوصية الله ﷿ لموسى ﵇ وهارون ﴿فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ [طه:٤٤].
فإذًا: القول اللين الذي لا مداهنة فيه لا ينافي أبدًا التمسك بالدين، بعض الناس يظن أن الغلظة والجفاء والقسوة وخشونة العبارة أسلوب ينم عن عزة المسلم وتمسكه بدينه، فربما خاطب بعض الناس في مقام الدعوة والنصيحة بمثل هذه الأساليب، ويظن أنه إذا ألان له القول فهو مداهن، أو أن هذا ضعف وذل، كلا! لا يوجد أحد أشر في عصره من فرعون، ومع ذلك أمر الله نبيين من صفوة أنبيائه فقال لهما: «فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا»؛ لأن الهدف هو أن يستجيب للحق؛ فأي شيء قد يقف عائقًا دون هذه الاستجابة فينبغي اطراحه: (ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه)، فالرفق والتلطف في العبارة أمر مطلوب وليس من الضعف.
يقول الله ﷿ فيما أوصى به بني إسرائيل: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ [البقرة:٨٣]، كلمة الناس هذه تعم اليهودي والنصراني فكيف بالحنيفي المسلم إذا أردت أن تنصحه؟! لاشك أنه أولى بذلك، وهو حث على الخلق الحسن مع كل من على وجه الأرض، والمسلم مطالب بحسن الخلق في جميع أحواله ومع كل الناس بلا استثناء، والدليل قوله ﵎: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا).
وقال ﷾ لموسى ﵇ في آية أخرى: ﴿وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ﴾ [الشعراء:١٠ - ١١]، وفي الآية الأخرى: ﴿فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ [طه:٤٤].
ودعا إلى التوبة من عمل أكبر الكبائر الشرك بالله ﷿، وقتل النفس بغير حق، والزنا؛ فقال ﵎ بعد ما ذكر كل هذه المعاصي في آخر سورة الفرقان: ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الفرقان:٦٨ - ٧٠]، حسب قوة التوبة؛ فمن رحمة الله ﷿ أنه يكافئ هذا العبد لشدة إخلاصه في التوبة بأن يبدل سيئاته حسنات في ميزانه.
يقول النبي ﵊ في بعض الأحاديث: (ليتمنين أناس يوم القيامة أن لو أكثروا من السيئات)، في لحظة معينة يوم القيامة بعض الناس يتمنون أن لو كانوا أكثروا من المعاصي والسيئات، هؤلاء هم الذين بدل الله سيئاتهم حسنات.
أما البطالون إذا سمعوا هذا الحديث يقولون: نكثر من السيئات ونتوب فيما بعد حتى تكثر حسناتنا، نقول لهم: هذا غرور وتسويل من الشيطان، لكن المقصود أن الشخص الذي تاب توبة صادقة نصوحًا لا معصية بعدها ووفق بعدها إلى أن مات، فهذا من شدة إخلاصه في التوبة يكافئه الله على ذلك بأن هذه السيئات يبدلها في ميزانه حسنات كرمًا ومنة من الله ﵎.
كما دعا الله ﵎ إلى التوبة من ارتكب كبيرة كتمان ما أنزل الله من البينات والهدى، فقال ﷿: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [البقرة:١٥٩ - ١٦٠].
ودعا إليها المشركين قاطبة، فقال بعدما أمر بقتلهم حيث وجدوا: ﴿فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا﴾ [التوبة:٥]، يعني: أسلموا ﴿وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة:٥].
ودعا أيضًا المنافقين نفاقًا أكبر إلى التوبة، فقال ﷿: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النساء:١٤٥ - ١٤٦].
ودعا إليها جميع المسرفين بكل ذنب، فقال ﵎: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ﴾ [الزمر:٥٣ - ٥٤] وغير ذلك مما لا يحصى من الآيات.
ومن رحمة الله ﷿ بالعاصي بل بالكافر والمشرك الذي يسب الله ويشرك بالله ﵎ أنه يسد عليه كل الأبواب ما عدا باب التوبة، حتى باب القنوط من رحمة الله يسده الله عليه فانظر إلى الكرم!
12 / 6