المبحث الثالث: نشأته وشبابه ﵁ -: لقد كان ﵁ فتى مكة شبابًا وجمالًا وسبيبًا (١)، وكان أبواه يحبانه، وكانت أمه مليئة كثيرة المال، وكان يلبس الحضرمي من النعال (٢)، وتكسوه أمه أحسن ما يكون من الثياب، وكان أعطر أهل مكة يدهن بالعبير، ويذيل يمنة اليمن (٣). وقد كان ﵁ رقيق البَشَرة حسن اللِّمَّة ليس بالقصير ولا بالطويل (٤)، وكان يذكره رسول الله ﷺ ويقول: «ما رأيت بمكة أحدًا أحسن لِمّةً ولا أرق حُلةً، ولا أنعم نعمةً من مصعب بن عمير» (٥). فلقد كان ﵁ منعمًا مدللًا من قبل أبويه، فيأكل أفضل الطعام، ويلبس أحسن الثياب، وكانت أمه شديدة الكَلَفِ به، فلا يبيت إلا وتضع قَعْب الحَيْس عند رأسه فإذا استيقظ أكل منه (٦)، فعن عمر ﵁ قال: نظر رسول الله ﷺ إلى مصعب بن

(١) أي الخصلة من الشَعر. ابن منظور: لسان العرب، ١/ ٤٥٩. (٢) ابن سعد: الطبقات الكبرى، ٣/ ٨٦. والحضرمي من النعال هو: النعل المنسوبة إلى حضرموت المتخذة بها. ابن ... منظور: لسان العرب، ١٢/ ١٣٧. (٣) ابن الأثير: أسد الغابة في معرفة الصحابة، ٥/ ١٧٥. يذيل يمنة اليمن أي يلبسها ويتزر بها فيسدل ويطيل ذيلها، وإنما هو من زي أهل الترف. الخطابي: غريب الحديث، ٢/ ٢٩١. مجد الدين الشيباني: النهاية في غريب الحديث والأثر، ٢/ ٢٩١. (٤) ابن سعد: الطبقات الكبرى، ٣/ ٩٠. واللِّمَّة من الشعر ما ألمَّ بالمنكبين. ابن منظور: لسان العرب، ٥/ ٢٨٨. (٥) الحاكم: المستدرك على الصحيحين،كتاب الهجرة ...، باب ذكر مناقب مصعب الخير ...، ٣/ ٢٢١، رقم ٤٩٠٤. وأخرجه ابن سعد في الطبقات ٣/ ١١٦. (٦) عبد الرحمن بن عبد الله السهيلي: الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام، ٤/ ٥٢. والقعب: القدح الضخم، الغليظ الجافي. والحيس: تمر وأقط يعجنان بالسمن. ابن منظور: لسان العرب، ١/ ٦٨٣ - ١٩٩.