ونبح الكلب في سعار وهو يجر سلسلته عبر الأرض من ناحية إلى أخرى إلى أقصى امتداد لها.
وكانت آخر كلمات ذي الوجه الملائكي على الباب الخارجي: سوف أذهب لمقابلة الإخوة الآخرين؟
فسارع السيد خوان يقول: «إن في هذا إضاعة لوقتك. لقد عرف عني طوال فترة إقامتي هنا أنني من المحافظين، ومع ذلك فإنه لا يمكنني قبولها في بيتي. أما هم فليبراليون، أوه، حسنا، سيعتقدون أنك قد جننت، أو أنك تمزح!»
كان السيد «خوان» يقف على عتبة الباب وهو يقول تلك العبارات؛ ثم أغلق الباب في بطء، وفرك يديه السمينتين، معا، وتردد برهة، ثم عاد أدراجه إلى البيت. وأحس برغبة لا تقاوم في أن يلاطف أحدا، ولكن ليس زوجته، وذهب لإحضار الكلب الذي كان لا يزال ينبح.
وصاحت به زوجته من الفناء، حيث كانت تقلم شجرة الورد بعد أن انحسرت الشمس عنها: «دع الكلب إذا كنت خارجا!» - «أجل، سوف أخرج الآن.» - «حسنا، أسرع، لأنني ذاهبة إلى الكنيسة لأداء صلاتي اليومية، وأفضل عدم الخروج إلى الطريق بعد السادسة مساء.»
الفصل السادس عشر
في سجن «كاسا نويفا»
في حوالي الساعة الثامنة صباحا (ما أسعد ما كان الناس عليه في عهد الساعات المائية، حين لم يكن هناك ساعات دقاقة تحسب الوقت بالقفزات والارتداد!) سجنت «نينيا فيدينا» في زنزانة كالقبر على شكل الجيتار، بعد اتخاذ الإجراءات المعهودة والقيام بتفتيش شامل لكل شيء معها. لقد فتشوها من الرأس إلى القدم، أظافرها، ما تحت إبطيها، كل شيء، وهي عملية مزعجة للغاية، بل وزادوا التفتيش حدة حين عثروا في ثنايا قميصها على خطاب كتبه الجنرال كاناليس بخط يده، وهو الخطاب الذي كانت قد التقطته من على الأرض في البيت.
وأحست بالتعب من الوقوف في الزنزانة، ولم يكن هناك مكان للمشي ولو خطوتين فقط، فجلست، فالجلوس أفضل على كل حال. ولكنها نهضت واقفة بعد برهة. لقد نفذت برودة الأرض إلى كفليها وعظام ساقيها وإلى يديها وأذنيها، فالجسم البشري حساس تجاه البرودة. وظلت واقفة بعض الوقت، ثم جلست مرة ثانية، ووقفت، وجلست، ووقفت ... وهكذا ...
وكانت تسمع السجينات الأخريات حين أخرجوهن من زنازينهن لشم الهواء، يتغنين بأغان غضة كالخضروات النيئة ، برغم الغليان الذي يشعرن به في الصدور. وكن أحيانا يهمهمن بعض هذه الأغاني وهن ناعسات، أغان ذات رتابة قاسية، توحي بإحساس بالظلم المحتوم، تقطعه فجأة صرخات يأس، وكفر «وسباب» وشتائم.
Неизвестная страница