Господин Президент

Махир Баттути d. 1450 AH
157

Господин Президент

السيد الرئيس

Жанры

وفي اليوم التالي، كادت تخلع الباب من مفصلاته وهي تفتحه على مصراعيه. وجرت تنتظر ساعي البريد حتى لا ينساها هذه المرة، وكذلك كيما تجلب الحظ السعيد. ولكنه كان ماضيا في طريقه كالمعتاد، متحاشيا أسئلتها، يرتدي ملابس خضراء زاهية (لون الأمل) بعينيه الصغيرتين الضفدعيتين، وأسنانه عارية كأسنان الدمية العظمية في كليات التشريح.

شهر، شهران، ثلاثة، أربعة ...

ولم تعد تذهب إلى الحجرات التي تطل على الطريق، بل جذبها حزنها العميق إلى القسم الخلفي من المنزل. وشعرت بنفسها كأنما هي إحدى أدوات المطبخ، أو قطعة فحم أو خشب، أو جرة فخارية، مجرد شيء لا قيمة له.

قالت إحدى جاراتها من العارفات بأمور الولادة، حين استشارتها الخادمات في شأن حالة كميلة: «إن هذا ليس مجرد نزوات بل هو «وخم» «الحمل».» وقد قالت ذلك لمجرد المتعة في الحديث أكثر منه بحثا عن علاج للحالة. ذلك أنه كانت هناك علاجات كثيرة أمام الخادمات: فقد أضأن شموعا للقديسين، وخففن من حدة فاقتهن بما أخذن يحملنه من أشياء غالية خفيفة من المنزل.

وفي أحد الأيام المباركة، خرجت المريضة من المنزل، ذلك أن الجثث تطفو إلى السطح أيضا. وجلست مقعية في عربة أجرة، تتحاشى عين أي شخص تعرفه؛ وقد أشاح هؤلاء بوجوههم بعيدا عنها بدلا من أن يحيوها؛ وانطلقت وكلها تصميم على مقابلة الرئيس بأي ثمن. وكان إفطارها وغداءها وعشاءها منديل مبلل بالدموع. وكانت لا تزال تعض عليه بنواجذها حين كانت تجلس في غرفة الانتظار. يا لكثرة الشقاء والمشكلات، إذا حكم المرء على ذلك بالحشد الذي كان ينتظر مقابلة الرئيس! أهل الريف يجلسون على حافة المقاعد المذهبة، وأهل المدينة يغوصون فيها ويستندون إلى ظهورها. وكانوا يشيرون للسيدات إلى الكراسي ذات المرفقين في صوت خفيض. وكان ثمة شخص يتكلم في الردهة الخارجية. السيد الرئيس! وتقلصت أعصابها بمجرد التفكير فيه، وركلها طفلها في أحشائها كأنما يقول: فلنخرج من هنا!

وانبعثت همهمة أناس يغيرون من جلستهم. تثاؤبات. همهمة ملاحظات. خطوات أقدام ضباط أركان الحرب. حركات جندي يحاول تنظيف إحدى النوافذ. ذباب. ركلات الطفل الصغير في أحشائها. «لا تكن عنيفا هكذا! لماذا تتصرف بمثل هذه الخشونة؟ إننا سنقابل الرئيس لنسأله ماذا حدث لشخص لا يعرف أنك موجود، ولكنه سيحبك حبا عارما حين يعود إلى المنزل! آه، إذن أنت تتعجل الخروج كيما تشارك في ما يدعوه الناس بالحياة! إنني لا أعارض في هذا، ولكنك أفضل حالا وأمنا حيث أنت الآن!»

ولم يقابلها الرئيس. قال لها أحدهم إنه يحسن بها أن تطلب مقابلة رسمية. برقيات، خطابات، محررات رسمية، بلا جدوى؛ لم تكن تتلقى أي رد عليها.

ومرت ليال، وجاءت أيام، وغارت عيناها من الأرق أو طفتا في بحيرات من دموع. فناء رحيب. وهي ترقد على سرير معلق، تتلهى بحلوى من ألف ليلة وليلة وتلعب بكرة في يدها. وأخذت تنقل قطعة الحلوى من خدها إلى خدها الآخر، فسقطت الكرة الصغيرة من يدها وتقافزت على أرض الممر الذي يقع تحت السرير المعلق وتدحرجت إلى الفناء بعيدا، بعيدا، وأخذت تصغر إلى أن تلاشت تماما، في حين نما حجم قطعة الحلوى في فمها. لم تكن نائمة كلية. وكان جسدها يرتعش لملمس الشراشف. كان حلما تضيئه أنوار الحلم والأنوار الكهربائية على السواء. وأفلتت قطعة الصابون من بين يديها عدة مرات كالكرة المطاطية الصغيرة، وبدت فطيرة إفطارها - وكانت تأكلها من فرط ما حل بها من جوع - كأنما تتضخم في فمها كقطعة الحلوى.

كانت الشوارع كلها خالية والناس كلهم في القداس، حين تتوجه هي إلى اوين الحكومة، واحدا إثر الآخر، في انتظار وصول الوزراء. ولم تكن تعرف كيف تكسب عطف الحراس العجائز الشكسين، الذين لم يكونوا يردون عليها حين تكلمهم، ويطردونها بلا رحمة - أولئك الكتل الشائهة من اللحم البشري - حين تلح في طلبها.

ولكنها الآن تتذكر بقية حلمها. لقد جرى زوجها والتقط الكرة الصغيرة. الفناء الرحيب. الكرة السوداء الصغيرة. وزوجها يتضاءل حجمه شيئا فشيئا، ويبتعد عنها رويدا رويدا كأنما هو يتبدى في الطرف المصغر للتلسكوب، إلى أن يختفي خارج الفناء وراء الكرة، في حين تضخمت قطعة الحلوى في فمها، ولم تعد تفكر في طفلها المنتظر.

Неизвестная страница