1 - هل يشير السيد الرئيس إلى إلهة الجمال «منيرفا»!
واقترب فخامته من المائدة بخطوات قافزة، وصاح بالمحبوب دون أن يلقي بالا لكلامه عن «منيرفا»: هل تعرف يا ميغيل أن من اكتشف الخمر إنما كان يبحث أصلا عن مشروب إطالة الحياة.
فأسرع المحبوب يقول: كلا سيدي الرئيس، لم أكن أعرف ذلك. - هذا غريب؛ لأن ذلك مذكور في دائرة المعارف. - إن الأمر يكون غريبا حقا لو كان عدم معرفة ذلك من جانب رجل له مثل سعة اطلاعك سيدي الرئيس، ومن له حق اعتبار نفسه أحد أبرز ساسة العصر الحديث. ولكن ليس غريبا أن يكون مني أنا.
وأرخى فخامته جفنيه فوق عينيه حتى يخفي عن نظاريه حالة الفوضى الضاربة أطنابها فيما حوله من أشياء على النحو الذي صورتها له في تلك اللحظة حالة السكر البين التي كان واقعا تحت تأثيرها. - إه، أجل، إني أعرف الكثير!
قال ذلك ثم أرخى يده وسط غابة زجاجات الويسكي السوداء، وصب كأسا لذي الوجه الملائكي. - اشرب يا ميغيل.
وغص حلقه بالكلام. كان ثمة شيء قد انحشر في حلقه ، ودق على صدره ليتخلص منه، في حين انشدت عضلات رقبته النحيلة وانتفخت عروق جبهته. وجعله المحبوب يبتلع بعض المياه الغازية، وبعد بضع تكريعات استعاد قدرته على الكلام.
وانفجر ضاحكا وهو يشير إلى ذي الوجه الملائكي: «ها ها! ها ها! ها ها! على حافة الموت! ها ها! ها ها!»
وشحب وجه المحبوب، وارتجف في يده كأس الويسكي الذي شرب منه لتوه نخب الرئيس. - السيد ... فقاطعه فخامته قائلا: ... الرئيس يعرف كل شيء. ها ها! ها ها! ... على حافة الموت، وبنصيحة أحد المتخلفين عقليا، كما هم كل الروحانيين! ها ها! ها ها!
ووضع ذو الوجه الملائكي الكأس على فمه وضغط عليه وهو يشرب حتى يمنع نفسه من الصياح غضبا. لقد رأى الضوء الأحمر لتوه، فقد كان على وشك أن يهجم على سيده ويخنق ضحكاته البائسة في صدره؛ ورأى شعلة دمائه المشربة بالخمر. ولو كان ثمة قطار قد مر على جسده، لما سبب له من الآلام أكثر مما كان يشعر به الآن. كان يشعر بالقرف، ولكنه استمر يتصرف كالكلب المتمرن الذكي، السعيد بنصيبه من القاذورات، والمشبع بغريزة حب البقاء. وابتسم كيما يخفي عداءه، بيد أن الموت كان مرتسما على عينيه المخمليتين، كشارب السم الذي يشعر بوجهه آخذا في الاحتقان. وكان فخامته يطارد ذبابة. - ألا تعرف لعبة الذبابة يا ميغيل؟ - كلا سيدي الرئيس. - آه حقا إنك ... على حافة الموت! ها ها! ها ها! ... هي هي! هي هي! هو هو! هوو. هوووه!
واستمر مقهقها يطارد الذبابة وهي تطير من مكان إلى آخر، وقد خرج قميصه من زنار بنطاله، وانتفخت أزرار بنطاله، وانحلت سيور حذائه، وسال اللعاب من فمه، بينما عيناه تشعان ضوءا أصفر كمح البيضة.
Неизвестная страница