حقا انه لأمر يكشف عن مدى القسوة التي كان عليها قلوب الجماعة.
إنها قسوة تغشى كل عواطف المرء فلا يعود يسمع معها نداء الضمير ، ولا يحس معها بوخز الوجدان ، انه لا يعود يسمع معها حتى صراخ بنته الجميلة البريئة ، واستغاثاتها المؤلمة وهي ترى بام عينيها حفيرتها ، وتحس بيدي والدها القاسي ، وهو يدفعها إلى تلك الحفرة ويدفنها حية!
إنها قسوة تكشف عن أسوأ وأحط درجات الانحطاط الخلقي ، والتقهقر الإنساني.
وبنو تميم هي أول قبيلة اقدمت على هذه الجريمة النكراء ، وكان السبب أن « بني تميم » أمتنعوا من دفع ضريبة الاتاوة التي كانت عليهم إلى الملك ، فجرد اليهم النعمان بن المنذر حاكم العراق آنذاك جيشا كبيرا لضرب هذا التمرد ، وانتصر على « بني تميم » في المآل وغنم منهم الغنائم وسبى منهم الفتيات والنساء ، فوفدت وفود « بني تميم » على النعمان بن المنذر وكلموه في الذراري والنساء ، فحكم النعمان بان يجعل الخيار في ذلك إلى النساء ، فأية امرأة اختارت زوجها ردت عليه ، فاختلفن في الخيار ، فاختار بعضهن العودة إلى الاهل والاباء ، واختارت بنت لقيس بن عاصم سابيها على زوجها مما أثار هذا الموقف والاختيار غيظ والدها العجوز « قيس بن عاصم » فنذر من ذلك الحين أن يدس كل بنت تولد له. وهكذا سن لقومه الوأد ، واخذت بقية القبائل بهذه العادة البغيضة الوحشية إرضاء لغيرتهم وظلوا يمارسونها اعواما متمادية (1).
واليك واحدة من القصص المأساوية في هذا المجال :
قيل لماوفد « قيس بن عاصم » على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سأله بعض الانصار عما يتحدث به في الموؤدات ، فاخبر انه ما ولدت له بنت إلا وأدها ، قال : كنت اخاف العار وما رحمت منهن إلا بنية كانت ولدتها امها وأنا في سفر ، فدفعتها إلى أخواتها ، وقدمت أنا من سفري فسألتها عن الحمل ، فاخبرت أنها
Страница 59