لقد كان ظهور مثل هذا الفساد الاخلاقي وهذا الموقف المتعصب من الآخرين أمرا لابد منه بحسب المحاسبات الاجتماعية.
فالبيئة المكية لابد أن تغرق في الفساد والانحراف حتى يتهيأ العالم لانقلاب أساسي ونهضة جذرية.
إن كل ذلك الانفلات الاخلاقي والترف والانحراف كان يهيء الارضية ويعدها لظهور مصلح عالمي ، أكثر فاكثر.
ولهذا لم يكن غريبا أن يغضب « أبو سفيان » فرعون مكة وطاغيتها على « ورقة بن نوفل » حكيم العرب الذي تنصر في اخريات حياته واطلع على ما في الانجيل ، كلما تحدث عن الله والانبياء ويقول له : « لا حاجة إلى مثل هذا الاله وهذا النبي ، تكفينا عناية اصنامنا »!!
عبد الله والد النبي :
يوم فدى « عبدالمطلب » ولده « عبد الله » بمائة من الابل نحرها ، وأطعم الناس في سبيل الله ، لم يكن يمض من عمر « عبد الله » اكثر من اربعة عشر ربيعا ، وقد تسببت هذه الواقعة في أن يكتسب « عبد الله » شهرة خاصة بين عشيرته مضافا إلى شهرته الكبرى بين قريش ، وأن يحظى بمكانة كبيرة عند أبيه : « عبد المطلب » بنحو خاص ، لأن ما يكلف الإنسان غاليا ، ويتحمل في سبيله عناء اكثر لابد أن يحظى لديه بمكانة اكبر ، ويحبه محبة تفوق المتعارف.
ومن هنا كان « عبد الله » يتمتع باحترام يفوق الوصف بين أبناء عشيرته وأفراد عائلته وأقربائه.
ثم إن « عبد الله » يوم كان يتوجه برفقة والده إلى المذبح كان يعاني من مشاعر وأحاسيس متناقضة ومتضادة ، فهو من جانب كان يكن لوالده احتراما كبيرا وحبا شديدا ، ولهذا لم يكن يجد بدا من طاعته ، والانصياع لمطلبه ، بينما كان من جانب آخر يعاني من قلق ، واضطراب شديدين على حياته التي كان يرى كيف تعبث بها يد القدر ، وتكاد تقضي عليها كما يقضي الخريف على
Страница 189