وكان أول ما عمله الخليفة أنه فصل حمد واد سليمان من منصب مدير بيت المال وعين بدلا منه إبراهيم واد عدلان، وكان من عرب الكواحلة على النيل الأزرق، ولكنه أمضى عدة سنوات يشتغل بالتجارة في كردوفان، وكانت له حظوة عند الخليفة.
وطلب من عدلان أن يجعل حسابا للوارد والمنصرف، وأن يكون لهذا الحساب دفاتر تمكن مراجعتها في أي وقت وتعرف منها الحالة المالية، وأمره أيضا بأن يضع قائمة عن جميع أولئك الذين يتسلمون أي مبلغ من المال والذين يقبضون مرتبا.
وعند وفاة المهدي جاءت الأخبار بأن الغارة على سنار قد فشلت، وأن عبد الكريم قد صد عنها، فأرسل الخليفة عبد الرحمن النجومي لكي يتولى القيادة، وذلك في سنة 1885، فسلمت الحامية لهذا القائد القوي. وحدثت الفظائع المعتادة بعد سقوط المدينة؛ فإن عددا من أهالي سنار أرسلوا إلى الخليفة، وكان بينهم بنات الموظفين الجميلات، فاحتفظ الخليفة بأجملهن ووزع الباقي على الأمراء.
وشرع الخليفة في تأييد سيادته، وكان يعرف أن عبد الكريم مزاحم قوي فاستدعاه إلى الحضور إلى أم درمان بجميع جيوشه، ثم دبر له هو والخليفة علي واد هلو مكيدة؛ بحيث سلم عبد الكريم جميع ذخيرته وجنوده، وكذلك سلم الخليفة شريف جميع جنوده السود لأخيه يعقوب، وأصبح كل منهما مقلم الظفر لا خطر منه.
وبينما كانت هذه الأخبار تشيع في العاصمة، وصلت الأخبار بأن كسلة سقطت، وأن عثمان دجنة يقاتل الأحباش الذين يقودهم الرأس الوله. وقد انتصر الأحباش على عثمان دجنة واضطروه إلى الالتجاء إلى كسلة، ولكنهم اكتفوا بذلك ورجعوا إلى بلادهم.
واتهم عثمان دجنة حاكم كسلة السابق أحمد بك عفت بأنه فاوض الأحباش وحرضهم على مقاتلته، ولم يكن هناك أقل ما يثبت هذه التهمة، ومع هذا فقد قبض على ستة موظفين في كسلة وشدت أيديهم خلف ظهورهم وضربوا بالرصاص كأنهم مجرمون.
وكان الخليفة عبد الله يعرف أن جوره على سائر الخلفاء سيثير غضب قرابة المهدي الذي كانت علاقته بهم سيئة، ولكنه لم يبال بذلك، فقد عقد عزمه على أن ينفذ أغراضه ولو احتاج في ذلك إلى استعمال العنف. وقد كان مع ذلك يخشى الرأي العام، ويعرف أن الأهالي كانوا يحبون المهدي وأنهم يعطفون على قرابته، فلم يكن يظهر بمظهر العداء لهم، بل سار في طريق مرضاة الجمهور إلى أن أهدى إلى الخليفة شريف طائفة من العبيد وبعض الخيول العتيقة والبغال الفارهة، ووهب أتباعه أيضا عددا من العبيد، وقد اجتهد في أن يجعل هذه الهبات والإنعامات علنية حتى يعرفها جميع الناس، وقد نال وطره؛ فإن الناس حمدوا له فعله وامتدحوا سخاءه في قصائد كانوا يتغنون بها.
وكان واضحا أمام الخليفة أن ترك البلاد البعيدة في أيدي قرابة المهدي مما يعود بالخطر على حكمه؛ ولذلك لم يتوان في إرسال قرابته هو إلى دارفور وكردوفان لكي يلوا الحكومة.
وقد طلبني الأمير يونس الدكيم لكي أرافقه إلى سنار، ولكني قبل أن أغادر أم درمان قال لي الخليفة: «إني أحثك على أن تخدمني خدمة صادقة، فإني أنظر إليك نظرة الأب لابنه وقلبي يعطف عليك، والله يعد المؤمنين بالمكافأة كما أن غضبه ينزل على الخونة، ويونس يحبك ويرجو لك الخير وسيسمع لنصائحك، وإذا شرع في عمل يعود عليه بالأذى فيجب أن تحذره منه، وقد أخبرته بأني أعتبرك أحد أولادي وسيستشيرك في كل ما يعمله.»
فقلت: «سأعمل بما تأمرني، ولكن يونس رئيسي فهو لذلك سيستبد برأيه، فأرجوك ألا تنسب إلي عملا لا يكون وفق هواك وتجعلني مسئولا عنه.»
Неизвестная страница