وكانت القبائل الموالية تتألف من البيجو والبركة والزغاوة - في جنوب دارفور - والمصرية والتاجو والمعالية الذين كانوا يعادون الشيخ أبا سلامة، وكان عددهم كلهم نحو 7000 رجل يحملون الحراب و400 حصان.
وكانت الحامية التي غادرتها في دارة مؤلفة من 400 جندي نظامي و7 مدافع والطوبجية اللازمين لها و30 فرسا و250 من البازنجر، وكانوا كلهم تحت قيادة زوجال بك الذي كان يؤدي وظيفة قائمقام بدلا من إميلياني بك، وقد تركت معه من يدعى جوتفرث روث، وهو سويسري كان قد أرسل إلى السودان بشأن وقف النخاسة، وكان عالما في اللغة العربية، وقد أسررت إليه أني لا أثق بزوجال بك وطلبت منه أن يعرف كل ما يمكن معرفته عنه من قرابته ويقفني على كل شيء يعرفه عنه.
وفي نهاية أكتوبر غادرت خشبة مع جميع الجيش وسرنا في إقليم الرزيفات، وكان مغطى بالديس الكثيف والأحراج، وكنا معرضين بذلك للهجوم، فجعلت سير الجيش بحيث لا يمكن أن نباغت بكمين يبعث فينا الارتباك والاختلاط.
وكان البازنجر في جناحي الجيش ومعهم الأبواق لتنبيهنا عن أي خطر، وجعلت مؤخرة الجيش أقوى من الجناحين؛ وذلك حتى إذا هوجم جناح يمكننا أن نجد الوقت الكافي لنزيده من قلب الجيش، وكان واجب المؤخرة من أشق الواجبات؛ لأنه كان عليهم أن يعنوا بالجمال التي تقع وألا يغفلوا عن الفارين أو الذين يتخلفون؛ ولذلك جعلت السير في المؤخرة مناوبة؛ فيمنة الجيش تصير مؤخرة ثم تصير ميسرة ثم تعود يمنة وهلم جرا، وكنت أيضا أخفف الأعمال عن البازنجر والجنود النظاميين بهذه الطريقة.
وكنت أؤمل بهذه الطريقة أن أبلغ شقة بدون أية خسارة جدية ، وكان قصدي عند وصولي أن أبني قلعة هناك وأضع عليها المدفع ثم أترك الحامية هناك وأخرج بتجريدات خفيفة إلى البلاد المضطربة؛ حيث تتاح الفرصة لحملة الحراب بأن يغنموا ما يمكنهم من ماشية الرزيفات.
وعند وصولي إلى ديين وجدنا كميات من الحبوب التي اختزنها المادبو في القرية الجديدة التي بناها، فقسمتها بين الجنود واطمأننت بأن عندهم من الزاد ما يكفيهم جملة أيام، واسترحنا ثلاثة أيام وبثثنا طلائعنا لكي يدلونا على أمكنة المياه في الطريق، ثم استأنفنا المسير إلى شقة.
وكنت محموما في هذه الأيام فسلمت قيادة الجيش لشرف الدين - وهو يليني في القيادة - وأمرته ألا يبرحني. وفي اليوم التالي عندما غادرنا قرية كندري، وبعد أن استرحنا قليلا، تصايح الجنود في المؤخرة بأن بعض الخيالة يتقدمون للهجوم علينا، ووقف في الحال كل رجل في مكانه، وعلى الرغم من الحمى المستولية علي، ذهبت إلى حرس المؤخرة ورأيت بعض الخيالة الذين ربما كانوا يبلغون بعض مئات ولكن الأشجار كانت تخفيهم، وكان لذلك من المستحيل تقديرهم تقديرا صحيحا، فأشرت لحرس جناحي الجيش بأن ينضموا إلي ثم تقدمت ومعي خيالة الجيش وفرسان العرب، وحصلت مناوشة بين الأشجار انتهت بتقهقر العدو بعد أن غنمنا منه ستة خيول، وبلغت خسارتنا سبعة خيول قتلت وفقد رجلان وجرح البعض، ثم طاردنا العدو مسافة وعدنا واستأنفنا السير حتى الغروب فعسكرنا في مكان يدعى أم ورقة.
وكنت لا أزال أعاني الحمى، فأخبرت شرف الدين بأن يتبع التدبيرات التي أنهيها إليه بشأن ترتيب الجيش، وفي الصباح شرعنا في المسير حتى إذا مضى ساعتان بلغنا أرضا نزة، رأينا في جنوبها الشرقي بعضا من العشش التي يبنيها عبيد الرزيفات الذين يشتغلون في الحقول، وذهبت بمقدمة الجيش إلى هذه العشش لفحصها، وكان الجنود يعاونون الخيل على السير في هذه الحمأة التي كانت تنغرز فيها أرجلها، ونحن في ذلك وإذا بنا نسمع من المؤخرة إشارة الخطر، تلاها في الحال إطلاق الرصاص، فتركت المقدمة في العشش وركضت جوادي إلى الميسرة، وأخذت تسعين جنديا نظاميا وذهبت إلى المؤخرة، ولكن كان مجيئنا متأخرا؛ فقد أطلق البازنجر والجنود النظاميون في المؤخرة أول طلقة، وبينما هم يملئون أنابيب البنادق لإطلاق الثانية هجم عليهم العدو بجموع كثيفة فزحزحهم إلى الوراء في ناحية، ورأى جنودنا في القلب هذا الاختلاط بين العدو والولي فامتنعوا عن إطلاق النار، فأشرت لحملة الأبواق بأن يشيروا على جنودنا بالرقاد، ثم يسددوا مرماهم إلى أفراد العدو الذين اختلطوا بنا ويصيبوا أيضا من يأتي بعدهم من الأعداء، وبهذه الطريقة وقفت الهجوم وقسمت العدو قسمين: واحدا إلى اليمين وآخر إلى اليسار. وذهب هذان القسمان إلى ميمنتنا وميسرتنا للاشتباك معهما في القتال.
وكان الاختلاط الآن هائلا لا يمكن وصفه، فإن الأعداء العرب الذين دخلوا إلى قلب جيشنا كانوا لا يزالون فيه، وقد أعملوا سيوفهم في البازنجر ولم يكن مع البازنجر ما يدافعون به؛ لأنهم كانوا لا يحملون سوى البنادق، أما الجنود النظاميون الآخرون فلم يجدوا من الوقت ما يساعدهم على تجريد السيوف؛ وذلك لمفاجأة الغارة، ولكنا تمكنا في النهاية من قتل جميع العرب الذين جازوا إلى قلب جيشنا، أما حرس الميمنة وحرس الميسرة فقد هوجموا من الأمام والخلف فلم يستطيعوا تحمل الصدمة وفروا في كل جهة، فتلقاهم فرسان الرزيفات المختبئون في الغابات وقتلوهم.
ولم تدم المعركة أكثر من عشرين دقيقة، ولكن خسارتنا في هذا الوقت القليل كانت عظيمة جدا، ومن حسن حظنا أن العدو ألح في مطاردة الفارين من جناحي جيشنا، وتمكنا نحن من تطهير القلب من جنود العدو، ولكن ضحايانا كانت كثيرة، وكانت الخسارة بين أولئك الذين أطاعوا إشارتنا بأن يرقدوا قليلة، ولكن إصابات البازنجر الذين لم يدربوا كانت غير قليلة وقتل أيضا عدد كبير من جمالنا.
Неизвестная страница