Меч и огонь в Судане

Салатин Баша d. 1351 AH
178

Меч и огонь в Судане

السيف والنار في السودان

Жанры

أريد في ختام مؤلفي أن أكون أكثر صراحة، فأقول إن مصر التي تطلعت وتتطلع إلى استرداد ما فقدته في السودان من يدي الخليفة، قد تقف في سبيلها أمة أخرى لا تكتفي باستخلاص المناطق من يدي الخليفة، بل تعمد إلى عرقلة المساعي المصرية وإلى إدخال وسائل الري الهندسية في الجهات التي تستمد منها مصر حياتها المائية، وفي ذلك خطر جسيم على مصر؛ لأن الدولة الجديدة صاحبة الوسائل الهندسية ستنظر إلى خيرها أولا فتهدد مصر تهديدا ظاهرا؛ وإذن - وهذا أخف الضررين وأهون الشرين - ستحرم الدولة الجديدة صاحبة الحق القديم من خيرات التجارة الواسعة التي كانت - تحت إدارة طيبة في السودان - مصدر ثراء ونهوض للقطر المصري صاحب الحق الشرعي، ولكل أقاليم النيل المنضوية تحت لواء مصر.

بهذه الكلمات القليلة الصادرة عن إخلاص شديد نحو الأمة التي عدت إليها بعد اثني عشر عاما من سني الأسر الشديدة على النفس؛ أتقدم في ختام مؤلفي إلى مصر. ولكني قبل الختام أشير إلى حادثة واحدة قد تساعد على رد ما فقدته مصر من حيث الأمل في الاسترداد، عندما أجبرت في شهر ديسمبر عام 1883 على الخضوع والتسليم لرجال المهدي، كنت معتزا بسيف نفيس من سيوف الوطن النمساوي، وقد حفرت عليه بحروف عربية اسمي كاملا غير منقوص في تفاصيله، ولكني حرمت مع الأسف حق حمل ذلك السيف، وبالتالي وقع بين أيدي رجال المهدي، وبطبيعة الحال لم أفكر لحظة واحدة في استرداد ذلك السيف العزيز. ولكني عندما ذهبت إلى لندن في شهر أغسطس عام 1895 لحضور المؤتمر الجغرافي، تسلمت هذا السيف بواسطة المستر جون كوك، أحد رؤساء شركة كوك، وكان ذلك في مكتبه في لدجسيت سركس. وقد ظهر لي أن المستر جون كوك اشترى ذلك السيف من وطني في الأقصر عام 1890، عندما كان مارا بباخرته في شاطئ النيل عند أسوان ، فقد شغف المستر جون باقتناء السيف لوجود الاسم العربي المحفور عليه، وبعد قليل من شرائه تمكن بواسطة صديقي الماجور ونجت من الوقوف على صاحب الاسم المحفور، وهو بطبيعة الحال اسمي.

ويخيل لي أن المهدي قدم سيفي هدية لأحد أتباعه الذين اشتركوا في الغارة على مصر تحت قيادة النجومي في عام 1889، وأنه عندما تغلب الجنرال سرفرنسيس جرنفيل على النجومي في توسكي وقع حامل سلاحي بين المقتولين أو الأسرى، وبعد ذلك أخذ أحد أفراد توسكي ذلك السلاح، ثم سار به إلى مصر ووجد بحكم الصدفة في الأقصر أثناء مرور المستر جون كوك الذي تمكن من ابتياعه كأثر عربي.

إن فقد السلاح في مجاهل دارفور ثم الحصول عليه في قلب لندن أمر مدهش جدا، وهو فوق المصادفات العادية؛ وإذن لا قنوط ولا يأس؛ فقد ترجع الأقاليم التي فقدت إلى يدي صاحبها القديم رجوعا لم يكن يخطر على بال.

عشت في خلال الأعوام الستة عشر الأخيرة عيشة مدهشة لا يكاد يتصورها العقل، وقد سعيت جهدي في أثنائها إلى الحصول على اختبارات واسعة من أبسط عيشة في أيامي العادية البعيدة عن مظاهر لها كلفة.

شرحت لقرائي في الفصول السابقة كل ما حدث لي على أبسط صورة، ولست أرمي من وراء ذلك إلى توليد الاهتمام والشعور بالخطر في قلوب المهتمين بالأسارى الأوروبيين في السودان فحسب، ولكني قصدت أكثر من ذلك أن تكون لتفاصيلي أهمية كبرى عندما يجد وقت العمل، وعندما يبحث العاملون بحثا جديا في خلاص المغلوبين على أمرهم، وعندما يسمح الله باستخدام معلوماتي ومجهوداتي في سبيل إبادة الظلم الدرويشي، وإزالة حكم سيدي الجائر وعدوي عبد الله، الذي سيظل ألد أعدائي طول الحياة التي أحياها في الدنيا.

بعد أن يزول ذلك العهد الجائر، أدعو إلى تأسيس الحكومة العادلة التي تمنيت كثيرا ظهورها في السودان، فبذلك يزول الظلم ويحل العدل والهدوء في إقليم كبير محتاج إلى المدنية الهادئة.

Неизвестная страница