Меч и огонь в Судане

Салатин Баша d. 1351 AH
157

Меч и огонь в Судане

السيف والنار في السودان

Жанры

فقال حامد بأنه طلب من ذلك الشيخ بصفته صديقا مخلصا له أن يحتفظ بالسر، وأعطاه في سبيل ذلك عشرين ريالا من عملة ماريه تريزة، ثم أردف ذلك بقوله لي: «نحن العرب ميالون كثيرا إلى اقتناء المال، فلم يكد يحصل مني صديقي على ذلك المبلغ حتى أقسم لي قسما غليظا بأنه لن يفشي سرنا بحال من الأحوال، وأنه سيمسك لسانه عن الكلام في حالة التقاء متعقبينا به.» أما فيما يختص برفاق صاحبي الشيخ، فمن الغباوة بدرجة لا يميزون معها بين الأبيض والأسود ولا يعرفون الفرق بين العربي السوداني والأوروبي الأبيض، ما دام المطلوب تمييزهم مقنعي الوجوه. هذا إلى أن الوقوف مع أولئك مكن زكي ومكنني (المؤلف) من قطع مسافة بعيدة عن الأنظار.

عندما غربت الشمس تجاوزنا تلال هوبيجي، ثم نزلنا عن جمالنا للاستراحة في الخلاء وبقينا هناك نحوا من ساعة، وتلك الناحية التي عسكرنا فيها تبعد مسير يوم غربي شاطئ النيل. ولم نكن في راحتنا الصغيرة نرمي إلى إراحة أجسامنا، بل كنا أولا وأخيرا نقصد استراحة جمالنا صاحبة الفضل في حملنا إلى حيث نتمتع بالحرية، وأظن أنه لم يكن ميسورا لنا الاستمرار في العدو بعد أن واليناه إحدى وعشرين ساعة دون انقطاع منذ غادرنا طرف أم درمان الشمالي، ولم نأكل طول يومنا، وكل ما تمكنا من تغذية أجسامنا به هو القليل من الماء لكل من الثلاثة العاديين.

في تلك الساعة التي ارتحنا فيها وأرحنا جمالنا كنا شديدي التعب، ولكنا على الرغم من ذلك أكلنا بلذة وشهية مفتوحة مقدارا من العيش القفار وكمية من البلح.

بعد أن أكلنا قال لي مرشدي حامد: «لنقدم الأكل لجمالنا وبعد ذلك نوالي السير السريع، أما أنت فأظنك في أشد حالات التعب.»

أجبته بسرعة: «لست أشعر بشيء من ذلك التعب الذي تعبته؛ لأنا في أوروبا نعد الوقت من ذهب، فإذا كنت في صغري تعلمت ذلك، فإني أزيد عليه في حالتي هذه بأن الوقت حياة كاملة، فلنسرع جدا في عملنا.»

تولانا الجزع عندما رفض كل من الجمال الثلاثة تناول شيء من الأكل، لأنا قدرنا في الحال أن الجمال لن تستطيع السير، وأن المانع لها من الأكل هو شدة ما انتابها من تعب الإجهاد في العدو. وعلى أية حال، عمدنا في تلك اللحظة بعد أخذ مشورة حامد إلى إيقاد نار قليلة الكمية فوق مقدار كبير من الخشب المحروق، وصببنا على الخشب والنار جزءا من الراتينج.

بعد الانتهاء من تلك العملية وضع حامد الخشب والنار فوق قطعة خشبية مستطيلة، ومر بها حول الجمال ذاكرا بعض كلمات لم أفهم منها شيئا .

تساءلت عندئذ بشيء من الدهشة: «ماذا تصنع يا حامد؟» فأجابني: «إني أخشى جدا أن يكون فقهاء وقضاة الخليفة عبد الله قد رقوا جمالنا بما يعرقل سيرنا وينجح مقاصد الخليفة، وهذا الخوف يدفعني إلى استعمال الترياق العربي الذي يفسد سم الحاسدين.»

أما ذلك القول فلم يجد مكانا في خاطري بالطبع، وكل ما أجبت به عليه هو: «إني أخشى أن تكون الجمال من الفئة الثانية في السوق، وأخشى إلى جانب ذلك أن تكون قد تعبت وينبغي أن يترك قسط آخر من الراحة لها؛ عسى أن تتقوى وتنهض بعد ذلك.»

انتظرنا نصف ساعة في مكاننا ظنا بأن الجمال ستأكل بعد ذلك، ولكنها امتنعت عن تناول أي طعام، فخشينا ضياع الوقت وتمكن أعدائنا من الوصول إلينا، فاضطررنا إلى إعداد جمالنا للركوب، وبالفعل قمنا على ظهور جمالنا لمواصلة العدو. أما الجمال فامتنعت عن الجري وكل ما سمحت لنا به هو سير عادي جدا، فالتزمنا مطاوعة الجمال في رغبتها، وبقينا في سيرنا البطيء هذا حتى وجدنا أنفسنا وقت شروق الشمس عند الأرض المرتفعة شمال غربي متمة.

Неизвестная страница