Меч и огонь в Судане

Салатин Баша d. 1351 AH
130

Меч и огонь в Судане

السيف والنار في السودان

Жанры

نضيف إلى ذلك أن رجلا عربيا مسلما اسمه «أبو دخيبة» كان يجاور الخليفة إلى يساره، وكل ما كان لهذا الرجل من شرف هو أن يرفع الخليفة إلى جواده الخاص ثم يظل ملازما له أثناء نزوله من الجواد، هذا إلى أن الذي كان يشغل الناحية اليمنى من الخليفة أثناء سير موكبه هو كبير الخصيان ورئيس فرقة العبيد في حاشية الخليفة.

كان أمام الخليفة مباشرة في كل رحلة من رحلاته ستة من النافخين في الأبواق إيذانا بمرور الركب العظيم، أما السائرون وراء جواد الخليفة مباشرة فهم الضاربون على طبول خفيفة ترمي إلى تحسين صوت البوق في أذني الخليفة، الذي كان شديد الميل لسماع الأنغام. ومن اختصاص الأخيرين - الضاربين على الطبول - إصدار إشارات معروفة في المدينة لسير الركب أو وقوفه تبعا لأوامر ورغبات الخليفة، فإذا ما انتهينا من أولئك جاء صف الحشم الخصوصي الذي كان يحمل أفراده محافظ جلدية فيها أوراق دينية وعالمية، خاصة بشئون الدولة.

بعد أن ننتهي من صف القارعين على الطبول قرعا خفيفا، نصل إلى صفوف خصيان الخليفة وصغار خدمه، وبين أولئك من يحمل آنية كبيرة فيها ماء للوضوء ويحمل غيره سجادة فاخرة لصلاة عبد الله، ويسير الآخرون حاملين الرماح، وفي بعض الأحايين يتقدم الموكب أو يخلفه ركب موسيقي مكون من خمسين سودانيا، تتكون آلاتهم الموسيقية من مستخرجات قرون الوعول، وتغطي الجلود طبولهم المصنوعة من تجاويف جذوع الأشجار الضخمة. وإنه لمن الميسور لك أن تميز أنغام أولئك السودانيين بما فيها من تنافر قبيح، وبما اشتهرت به من ابتعاد عن كل توقيع مطرب.

تعود الخليفة القيام برحلاته بعد صلاة الظهر على أن يرجع إلى داره قبل الغروب، وفي أثناء كل من الرحلات المذكورة يبذل الضباط أقصى مجهوداتهم لإظهار شجاعتهم وفروسيتهم أمام مولاهم الخليفة؛ فمن أمثلة تلك الشجاعة تقدم أربعة من الضباط متجاورين إلى ناحية الخليفة؛ بحيث يرمون رماحهم المدببة في الهواء ويقفزون من صهوات جيادهم إلى البقعة الممتدة أمام الخليفة ليحيوه واقفين، فإذا ما انتهوا من ذلك أسرعوا لركوب جيادهم وعادوا إلى الصف الذي كانوا فيه دون إخلال بنظام الموكب.

كان الخليفة في السنوات الأولى من حكمه يحضر إلى ساحة الاستعراض العسكرية كل يوم جمعة؛ حيث تجري حفلة عرض الجنود على اختلاف درجاتهم، ولكنه اكتفى في سني حكمه الأخيرة باستعراض الجيش أربع مرات في السنة؛ هي على التعاقب يوم ذكرى الميلاد النبوي، ويوم المعراج، وأول أيام عيد الفطر، ثم يوم العيد الأضحى. وكان مما يذكر عن عناية الخليفة عبد الله بحفلة العيد الأضحى، أنه كان يجمع فرق جميع البلاد المجاورة مع جنود دارفور والقضارف للقيام بالاستعراض العام وسط دق الطبول والنفخ في الأبواق. أما الصلاة في ذلك اليوم فكانت تقدم منه ومن جنوده إلى الله الرحمن في ساحة الاستعراض؛ حيث يصلي عبد الله إماما بالجند وهو واقف في غرفة مدببة الحواجز - كأنما هو في محراب المسجد الكبير - وفي ذلك الحين يحيط به خارج غرفته كثير من ضباطه الأخصاء وبعض أعيان السودان المتمتعين بثقة الخليفة وحبه، أما بقية الضباط والجند وعامة الجمهور فيوزعون أنفسهم في صفوف متلاصقة، فإذا ما تمت الصلاة صعد عبد الله إلى منبر خشبي لإلقاء خطبة يستظهرها بعد أن يقرأها له من كتبها من السكرتيرين. وفي نهاية الحفلة يطلق بعض الضباط رصاص بنادقهم سبع مرات إيذانا بانتهاء الاحتفال المقدس. وعقب ذلك يتقدم واحد منهم لذبح خراف الضحية لإرسالها إلى السوق العام بواسطة الجنود وتوزيعها صدقة على الفقراء. ولكننا لا ننسى ذكر ما كانت عليه شئون الدولة من الفقر والاضطراب؛ بحيث لم يكن يتسنى ذبح العدد الكافي من الخراف لتقديمها للفقراء، فكان ذلك داعيا إلى استعاضة الفقراء عن لحم الخراف بقصاع الثريد.

اعتاد الخليفة تخصيص اليوم الأول من أيام العيد الأضحى لذلك الاستعراض المصحوب بتأدية فريضة الشكر المقدسة للعزة الإلهية إزاء ما أسبغته على السودان من خير طول العام، ولم تكن تجري في ذلك اليوم أية معاملة رسمية. أما المقابلات «التشريفات»، فكانت في الأيام الثلاثة التالية لليوم الأول؛ حيث يسير إلى دار خلافة عبد الله قبل مشرق الشمس في كل يوم من الأيام الثلاثة أمراء أم درمان والجهات المجاورة، حاملين راياتهم ومن خلفهم أتباعهم المتفائلون خيرا بالعيد، فإذا جمع كل أمير أتباعه سار بهم إلى الناحية المعدة له في ساحة الاحتفال - وهي عبارة عن أرض رملية تتخللها أحجار صغيرة - ومن تلك الجهة كانوا يسيرون إلى دار عبد الله إلا إذا بدت الرغبة من الخليفة في التوجه إلى دار الاستعراض؛ حتى لا يتعب الأمراء وأتباعهم وصفوف الجند. وفي كل حال من تلك الأحوال يعيد الجنود السير إلى حيث الخليفة لتقديم التحية للمهنئين بالعيد، وهم في سيرهم هذا يولون وجههم شطر المشرق.

أما يعقوب ابن الخليفة وصاحب أكبر مكانة في السودان بعد أبيه، فكان يحمل العلم الرئيسي؛ وهو عبارة عن قطعة كبيرة منتظمة الشكل من القماش الأسود توضع مباشرة أمام الحاجز المدبب القوائم الذي اعتاد الخليفة الجلوس فيه في ساحة الاستعراض، على أن الخط المستقيم الواصل بين العلم والحاجز يبلغ امتداده أربعمائة قدم، وبعد أن يتركز لواء يعقوب يضع الأمراء المختلفون على جانبيه راياتهم المميزة لقبائلهم، وقد يكون أكبر بيرق ظاهر بعد لواء يعقوب بيرق الخليفة علي واد هلو، الذي يرتكز في البقعة الشمالية من الميدان؛ ممتازا بلونه الأخضر وبقيام بعض ألوية على جانبيه. هذا إلى أن الناحيتين اليسرى واليمنى من مركز الجيش معدتان لطوائف خاصة؛ ففي الأولى يتوزع راكبو الخيول والجمال، وفي الثانية يقف ضاربو النار الذين يتكونون من بعض المجاهدين وأتباع بعض الأمراء. على أن الخليفة لا يسمح مطلقا لضاربي النار أولئك بحمل بنادقهم إلا في هذه الأيام الثلاثة من السنة.

لا تكاد الشمس تغرب في كل يوم من الأيام المذكورة المقدسة عند المسلمين، حتى يخرج الخليفة عبد الله من تلك الغرفة المدببة القوائم فيركب جواده يحيط به ضباطه وحرسه الخاص. وفي هذه الأثناء يسير الجيش بصفوفه الكاملة أمام الخليفة؛ حيث يوزع الجبب والعمائم على المرضي عنهم من رجاله.

كان المتبع أن يمتطي الخليفة صهوة جواده في ذلك الميدان، ولكنه في بعض الأوقات كان ينزع إلى ركوب جمل خاص مزخرفة حمائله. وقد تخطى هذا التقليد مرة واحدة - على ما أذكر - في سني حكمه فركب عربة أسرها السودانيون في الخرطوم من حاكم عام سابق، وبقيت بعد ذلك ملكا للمسلمين ومحفوظة في بيت المال. وبما أن ركوب هذه العربة كان أمرا شاذا غريبا، فلنذكر طريقة مرور الخليفة بالناس وهو فيها، فنقول: إنها خرجت من بيت المال، فكانت أعجوبة لناظريها من الدراويش، وكان يجرها جوادان وتسير بخطى متئدة جدا؛ والداعي لذلك خوف الخليفة من انقلاب العربة في حالة عدو الجوادين، وليس ذلك غريبا على من لم يعتد غير ركوب الخيل والجمال. ومهما يكن الأمر فإن الخليفة لم يرتح إلى فكرة ركوب العربة، فأرجعت إلى بيت المال، واستمر على عادته المألوفة في المواكب والرحلات؛ وهي الخروج على ظهر الجواد مباشرة من المسجد الكبير إلى الطريق القريبة؛ حيث راية يعقوب السوداء، فإذا ما وصل إليها تأمل فيها وأظهر احترامه لمقامها. وبعد الانتهاء من تقديم التحية للراية اليعقوبية، يولي عبد الله وجهه شطر الحاجز المدبب القوائم؛ حيث يجد إلى جانبه مكانا مسقفا مصنوعا من سيقان الأشجار المتراصة بعضها إلى بعض، والمغطاة بحصائر النخيل، فإذا ما انتهى إلى ذلك المكان نزل عن جواده واستند إلى عنجريب؛ حيث يحيط به القضاة والمقربون إليه.

اقتضت التقاليد الدينية في السودان أيام الأعياد الكبرى خروج الخليفة من داره إلى الناحية الغربية من المدينة حتى يصل إلى ثكنات جنوده. ومن الأمور المقررة في مقابلات العيد وقوف الجنود حاملين دروعا مغطاة من الطرزين الأوروبي والآسيوي وعلى رءوسهم خوذات ثقيلة وأغطية قطنية غريبة الشكل من مختلف الألوان، وأعظم ما يميز هذه الأغطية لفائف مخصوصة شبيهة بالعمائم.

Неизвестная страница