لم أستطع أن أطيل هذا الجو الذي يشعرني بالإحراج كثيرا، أجبته بكل حيوية وثقة: عفوا سيدي، ذلك من دواعي سروري.
فضحك هيروكي وكانت المرة الأولى التي أراه فيها يضحك، كم كان ذلك جميلا! لم نستطع في ذلك اليوم أن نتوقف عن الكلام. كل واحد منا كان يخبئ في قلبه كثيرا من المواقف والكلام والمشاعر التي عاشها طيلة تلك السنوات وحيدا مع نفسه، وكل واحد منا وجد الآن شريكا لحياته، فكما لو أننا نود أن نسابق الزمن؛ لذا راح كل منا يتحدث ويتحدث عن أشياء حدثت في الماضي، أحلام حلم بها وحققها وأخرى لم يحققها، أيام جميلة وأخرى متعبة وحزينة، والكثير الكثير من الكلام. بقيت يدي بين يديه وأنا أحدثه وأسمعه، تكلمت كثيرا، ووددت لو أن تلك الليلة تطول لمائة عام، لكن كان علينا أن نعود إلى منازلنا فغدا لديه عمل منذ الصباح الباكر والكثير من الاجتماعات.
ولكي نقتنع بإيقاف أحاديثنا وافتراقنا لتلك الليلة قلت له: ستكون الأيام كثيرة وسنلتقي، أعدك أني سأكثر من مجيئي إلى المركز، حينها أجابني: لا لن تكثري مجيئك إلى هنا، ولن نلتقي!
هيروكي
عندما كدنا نفترق، أخذت تعدني أنها ستكثر زياراتها إلى المركز وأننا سنجد فرصا أكثر لنلتقي، أجبتها أن ذلك لن يحدث: لا، لن تكثري مجيئك إلى هنا، ولن نلتقي، بل ستقيمين معي، ساي تزوجيني!
انتظرتها أن تجيبني، فلم أسمع صوتها، وتماما كالأفلام التي نراها، وضعت ساي يديها على وجهها وهي سعيدة وصرخت: أأنت جاد هيروكي؟ - كيف لا وأنا قد طلبت ذاك الطلب منذ أكثر من سنة، أجيبيني، أتقبلين بي زوجا؟
أجابتني بصوت يملؤه الحماس والفرحة: نعم أقبل!
لم أتمالك نفسي، أخذتها بين ذراعي، ثم سألتها: ساي! متى نحدد موعد زفافنا؟ - أسنقيم حفل زفاف؟ - طبعا، لكن لن يستغرق الأمر طويلا كي نرتبه، كوني على ثقة من ذلك. - يا إلهي كم هذا محرج!
قالتها وهي تضحك بأعلى صوتها، وتنظر إلي بعينيها الفرحتين، وقلبها المفعم بالحياة. أخيرا عاد صوتها إلى حيويته، وأسلوبها إلى شقاوته، وكلامها إلى طبيعته، حيث إننا تحدثنا كثيرا، وكعادتها كان حديثها ممتعا، كانت تغرقني بالتفاصيل دائما فتجعلني أشعر وكأنني أعيش الحدث نفسه، أخبرتني عن طفولتها وكيف كانت وحيدة لأهلها، لم تستطع أمها الإنجاب بعدها لظروف عدة منها الظروف الصحية، ولكن ساي مع شقاوتها وحسها المرح كانت بمثابة عشرة أطفال لها. حدثتني عن مراهقتها وعن محاولتها الفاشلة للاندماج مع الفتيات في صفها، ضحكت كثيرا فساي التي أعرفها الآن اجتماعية جدا، لم أتوقع أنها في يوم من الأيام عانت من الوحدة. ثم حدثتني عن حياتها الجامعية وكيف أنها من أجمل أيام العمر، من غير قصد مني شعرت بالغيرة، لا شك أنها تعتبرها كذلك لوجود زوجها السابق فيها، كانت تتجنب الإشارة إليه، لا أدري إن كانت لا ترغب بإزعاجي أو لا ترغب بإزعاج نفسها. سألتها: ساي، هل لديك مشكلة بذكر هاك؟ أجابت بالنفي التام لأنها لم تعد تكن له أي مشاعر، حتى مشاعر الغضب منه اختفت من قلبها. ثم سألتها بكل حمق: ساي أجيبيني بصراحة، لو عاد هاك قبل سنة من الآن، هل كنت سترتبطين به مجددا؟
انتظرت إجابتها ولكن من غير رد. لمت نفسي على سؤال لا معنى له في وقت كهذا. لماذا تظهر أغرب أوجهي معها؟! لماذا أفصح عن مخاوفي أمامها؟! لقد دخلت ساي لمكان في قلبي لم يستطع أحد الدخول إليه مطلقا، وكشفت أمورا عن نفسي لم أكن أنا أعرفها. أنا حقا لم أكن أتوقع أن لي ذاك الوجه الغبي الذي يغار من ماضي المرأة التي يحبها، ربما الغيرة ليست غباء. أنا بصفتي بروفيسورا لطالما كررت تلك القاعدة لطلابي حين يستفسرون عن أمر ما مرفقين سؤالهم بجملة «عفوا بروفيسور لدي سؤال غبي.» فأجيبهم: «لا يوجد هناك سؤال غبي.» لكني اليوم تأكدت أنه موجود، فسؤالي ذاك كان من أغبى الأسئلة على مدى التاريخ.
Неизвестная страница