Голос из холодильника: сборник рассказов
الصوت المتحدث من الثلاجة: مجموعة قصصية
Жанры
لم تتصل بأختها، أو ابن أختها، وإنما لجأت لحلول والدتها؛ رشت حول الجهاز الماء المخلوط بالخل، فهو لا يخرب ولا يخل، ووضعت إبرة الخياطة في المقشة، حتى يرحل الضيوف الثقال بلا رجعة. وذرت الملح على التليفزيون، لعل عين الحسود لا تقربه، ويبرأ من نظرات جارتها التي رمقتها حين الدخول به من باب العمارة، وابتسمت بعيون الجاموس التي تملأ وجهها!
اشتكت لابنها المسافر خارج البلاد، فعرض عليها أن تترك هذا التليفزيون، وتأتي للعيش معه. هي تتوق لذلك، وتحلم به، لكن الولد مع زوجته وأولاده، وهي لا تريد تنغيص حياة أحد. كما أنها تكره الغربة، ولا تريد مفارقة روح زوجها، ذلك الذي لا يزورها إلا على فراشهما الدمياطي ذي خشب الزان الفاتح المزدان بالأويمة، والسيقان المنحوتة على شكل ذيل حصان.
بعد أشهر من الضيق، لم تتأقلم الحاجة مع تليفزيونها. فقط اختارت ألا تزيد من الجلوس أمامه. وباقي الوقت تقسمه بين الحديث في الهاتف مع قريبات في سنها، وتنظيف البيت دون أسباب داعية، والجلوس في الشباك لمتابعة سلوك بنات الجيران، والاستمتاع بصوت طفل جارها أثناء تدربه على ترتيل القرآن، والدعاء على جارتها ذات العيون الواسعة.
الساعات الطويلة
لم أرض برؤية التلاميذ في أول يوم دراسي يقفزون من فوق أسوار المدرسة. عليهم أن يرفعوا هذه الأسوار بعد ذلك إلى القمر. قرأت المكتوب على خلفية ميكروباص «إحنا متنا، وجايين هنا نتحاسب»، ضحكت بسرعة، ثم بعد ثانيتين أعدمت المرارة ضحكتي. حادثني صديقي عن طلبات حماة المستقبل، كي تتم زيجته المتعثرة. إنها تريد تكييفا! وما لها المروحة؟! لو فقط يتوقفون عن هذه الترهات. أوضح لي العمق الحقيقي للحفرة حينما حكى عن مسألة تفاخرها بأبناء عائلتها، ومناصبهم، ومعايرته أنه - وعائلته - لن يصمدوا أمامهم في مقارنات كهذه، مما استفزه، ودفعه لارتداء كلابظات الملاكمة، والدخول في حلبة المنافسة، متذكرا «من كان يشتغل ماذا» من أفراد عائلته، خاصة في سلك القضاء، ووزارة الداخلية، حتى تنخرس الشمطاء. أف. هذه هي الطرق المثالية للفشل في العلاقات الإنسانية. تضحك حبيبتي، بكل صفاء. تغمض عينيها عند الضحك، فأعيش حلما فردوسيا. أريد أن أشم أنفاسها، فإن فيها الحياة. أريد أن أكون الهواء الذي تتنفسه، لأصبح أنا وهي كيانا واحدا، أتلذذ بالسباحة في دمها، وأرتاح آخر المطاف في قلبها. لا والله، لست حافظا للأغاني، أو مستمعا لها. ولكن حبي حولني رغم أنفي لشاعر. ربما هذا هو الحب؛ الإعلاء والتسامي، تنشيط الجينات الخاملة. العظيم الذي يكشف العظيم بداخلك. لكن هل يدوم الحب؟ سقت نفسي بعيدا عن هذه التساؤلات السخيفة، السقيمة. أطالع لوحات كاريكاتير ابن عمي. كان معرضا موفقا. لكن يصيبني الحزن أنه لن يحقق مكسب بواب عمارتي الذي يعمل سمسارا، والذي عرفت مؤخرا (هي بالأحرى: فوجئت مؤخرا) أنه يحصد مبالغ شاهقة في أتفه بيعة يخوضها. أعزي صديقة على موت خالها. رحل بعد مرض قصير. أتذكر كلمة قريبي، شيخ الجامع المؤمن، أن المرض قبل الموت دليل على محبة الله، فإنه يخفف به من ذنوب العبد قبل حسابه في العالم الآخر. أسأل نفسي: هل سأعيش قبل أن أموت؟ وهل - إن عشت - سيرزقني الله بالمرض دليل محبته لي؟ لم أجد أي إجابات، وهرعت لمقال ناقد شهير، ألوذ به من أسئلتي الشائكة؛ كان مقالا سيئا، كله تحطيم وتهشيم، أين الإيجابي إذن؟! ثم إنه من أبجديات مقال النقد السينمائي أن تنتقد الفيلم، وليس سلوك بطله، أو حكاياته خارج العمل. أسافر إلى منتجعي المفضل. الجو هادئ، والأمواج رقيقة، لكن صورتي لا تشبهني. أستشعر سخونة زفيري أكثر من برودة شهيقي، فأقفز في بيتي مجددا، إلى أن أقرر السفر خارج هذا البلد. الغيوم الرمادية هنا صارت على أطباقنا، نأكلها بلا بديل. والسيول تغرق الطرق منذ يوم ولدت. 38 سنة وجميع الشوارع والحواري مبيعة للشتاء بعقد مزور لا أمل في كشف زيفه أو إلغائه. زهقت من الفساد الذي يطوف في الهواء، ويضربنا جميعا في كل مكان. صارت الحياة محاولة حذرة، أو غير حذرة، لعدم التعرض للرطم من تلك القطع الصلبة الطافية على نحو أعمى؛ ليصاب قلبك بإنفلوانزا حامية، لا ينتهي لها سعال أو بلغم، ولا تهبط حرارتها إلا إذا نسيتها بمسرحية كوميدية أو نكتة بذيئة. دار كل هذا في ذهني وأنا أتطلع لابتسامة طفل عمره شهور، يداعبني من وراء الكرسي الذي يواجهني في الطائرة. في عينيه فرح أبله تعودت زمان أن أراه رسالة مقدسة للأمل. رأسه الأبيض الصغير مثل نقطة في علامة تعجب، أو وجه ضاحك من انفعالات الفيسبوك الآلية. وهبت صاحبة هذا البوست وجها مماثلا، وأغلقت الفيسبوك بعد مضي ساعات طويلة، أو ربع ساعة ... لا أذكر.
السعيد
طيلة عملي في ذلك الحي، لم أسأله عن اسمه الحقيقي. الكل كان يعرفه ب «سعيد» أو «السعيد». وجهه مفرط البشاشة، وفي عينيه ابتسامة طيبة دائمة. أشعر أحيانا أنه نال بعد كفاح آلام كبرى إيمانا مطلقا حقق له الرضا الكامل. وأشعر أحيانا أخرى أنه لم، ولا، يفكر أساسا في أي ألم، متمتعا منذ صغره بهرمونات رضا زائدة. كان كائنا نادرا في جميع الحالات. لم نكن أصدقاء، لكنه تعود التردد على سايبري الصغير، والدردشة معي أكثر من ممارسة ألعاب على كومبيوتر.
سايبري الصغير هذا فتحته مؤخرا مطرح دكان ترزي مات منذ سنين، أشبه بمخابئ الحرب؛ لضيق مساحته، وانخفاض سقفه، إلى حد يكتم الأنفاس، وقبوعه تحت الرصيف بأربع درجات طويلة، ناظرا إليه كوضع مؤقت، أو سد خانة، انتظارا لرسالة؛ عبر الإيميل، الهاتف، الحمام الزاجل، أيا ما يكون. من شقيقي الذي هاجر لأمريكا منذ سنوات، كي يدعوني للعمل معه، كما طلبت منه ... ولا يجيب.
يوم الجمعة في الشتاء له هواء يذكرني باللحم السمين. هواء لذيذ الطعم، ثقيل الدسامة، به فتنة تنعشني، تدب في نفسي حبا للحياة، وتوهمني أني صديق للسعادة، رغم حصارنا - جميعا - داخل قلعة باردة تمتد أسوارها لعمق السماء. بعد العصر، كان طوفان الأولاد عاشقي لعبة «الفيفا» لم يغرق المكان بعد، لذلك نعمت بهدوء ناعم، تسلى بتحريك الباب الخشبي القديم، جيئة وذهابا، في «تزييئة» لها إيقاع أحببته كأغنية حلوة. ثم توقف الباب فجأة، فانتبهت. كان السبب أمرا لم يمس مزاجي بسوء، وإنما جهز له عرشا جديدا. فقد ظهر السعيد من وراء الباب، مطلا بوجهه الأسمر، سائلا إياي بكل البشر: «أخبار السيادة إيه؟»
جهزت الشاي، ووعدت نفسي أن أستسلم لحواره تماما هذه المرة. في كل مرة سابقة، كنت أقطع استرساله؛ إما بدخولي في موضوعات تهمني أنا، أو بقيامي لأصفع رأس طفل لا يريد ترك الكومبيوتر بعد نهاية مدته، أو بحديث شخصي يتداعى داخل رأسي، شاغلا إياي عن متابعة ما يقول بدقة. هذه المرة، أريد أن أستمتع بهذا الكائن الفريد، وأتعلم منه كيف أبتسم، أو - على الأقل - أرتوي من نبع هذه الابتسامة.
Неизвестная страница