Саваних Амира
سوانح الأميرة
Жанры
1
فبذل جهده في سبيل تنوير أذهان الأمة بنور المعارف وتزيين ربوع البلاد بشارات العلم.
وكان من صفاته الشخصية الشهامة والذكاء، ومن خصائصه أن يضع الأشياء في مواضعها، ويقدر لكل أمر قدره. أما مجلسه فكان على الدوام حافلا بكبار أهل العلم ورجال الفضل والعرفان، يستفيد من فضائلهم ويسترشد بتجاريبهم في الحياة كما أسلفنا.
عند شبوب نار الثورة اليونانية في بلاد المورة كان شبله الأكبر إبراهيم باشا على رأس الجنود العثمانية يقودها إلى مواطن الظفر والفخار، ونظرا لإخلاصه وهمته العالية التي ظهر بها في هذه الحروب لم يكتف السلطان بتشريف قدر محمد علي الكبير بالدعاء له في إحدى الفرمانات بقوله: «أبقاك الله لي وللأمة».
بل أهدى إليه ولابنه الأكبر سيفين مرصعين بالجواهر تلطيفا لهما. وأعقب هذه الثورة اندلاع نار الفتن في كريد فتكفل بها ابنه الأكبر إبراهيم باشا أيضا، الذي تمكن من قمعها وتهدئة الخواطر فيها بمدة صغيرة.
عرفت الدولة لمحمد علي هذه الخدمات الصادقة وقدرتها حق قدرها، فوجهت إليه ولاية جدة واليمن وكريد في آن واحد. إلا أن هذه التلطيفات السامية التي نالها محمد علي الكبير بفضل مساعيه وأعمال ابنه الأكبر إبراهيم أحفظت عليه صدور رجال الدولة وحركت في نفوسهم عوامل الحقد والحسد؛ مما سبب حادثة «الشام» المشئومة، ولكن لم تمض مدة كبيرة حتى أصلح الزمان ما أفسده الحسد، وأسدل نقاب النسيان على تلك الحادثة، فعاد محمد علي إلى إخلاصه وعادت التلطيفات السلطانية إلى مجراها السابق.
كان غيورا على نفع مصر متفانيا في محبتها؛ يدلك على ذلك أنه لم يكد يسمع بوجود معادن الذهب في سنار حتى تكبد بنفسه مشقة السفر إلى مجاهل السودان على ظهور الإبل بغية الاستكشاف والاستطلاع، وحبا في إسعاد مصر رغم ما كان يعانيه من آلام الكبر.
وبالإجمال أراني مهما أسهبت لا أستطيع وصف عمل من أعماله الكبيرة من كل الوجوه وصفا يستكمل الأعراض ويستوفي الأجزاء، وإن المتصدر لترجمة ذلكم البطل الخالد الذكر، الجامع في رأسه ذكاء رجال عدة، أحر به أن يكون ملما بعظمة الأيام السالفة وما بها من مظاهر الأبهة والوجاهة، وكذلك بجميع الصفات والمزايا التي يجب أن يتحلى بها كبار رجال التاريخ ليمكن له أن يأتينا بصورة صحيحة من شخصيته وجلائل أعماله.
وكل ما أستطيع إثباته الآن هو أن عصر محمد علي كان عصر تدبير وقوة، وأن شخصيته كانت فذة عميقة لم يسبر غورها تماما بعد.
في مبدأ حكمه كانت معارفه العلمية ضئيلة وتجاريبه في الحياة قليلة، ومع ذلك فقد تمكن في مدة قصيرة من انتشال البلاد من وهدة الاحتضار وإيصالها في بضع سنوات إلى أوج السعادة والإقبال بعد أن فهم حاجاتها ولوازمها وكساها بثياب العلم والنور.
Неизвестная страница