وقوله: "إنها نزلت زمن العهد" يعني والله أعلم أنه عنى بها مثل أولئك المشركين المعاهدين وإلا فهذه الآية نزلت ليالي الإفك وكان الإفك في غزوة بني المصطلق قبل الخندق والهدنة كانت بعد ذلك بسنتين.
ومنهم من أجراها على ظاهرها وعمومها لأن سبب نزولها قدف عائشة وكان فيمن قذفها مؤمن ومنافق وسبب النزول لا بد أن يندرج في العموم ولأنه لا موجب لتخصيصها.
والجواب على هذا التقدير أنه سبحانه قال هنا: ﴿لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ﴾ على بناء الفعل للمفعول ولم يسم اللاعن وقال هناك: ﴿لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ﴾ وإذا لم يسم الفاعل جاز أن يلعنهم غير الله من الملائكة والناس وجاز أن يلعنهم الله في وقت ويلعنهم بعض خلقه في وقت وجاز أن يتولى الله لعنة بعضهم وهو من كان قذفه طعنا في الدين ويتولى خلقه لعنة الآخرين وإذا كان اللاعن مخلوقا فلعنته قد تكون بمعنى الدعاء عليهم وقد تكون بمعنى أنهم يبعدونهم عن رحمة الله.
ويؤيد هذا أن الرجل قذف امرأته تلاعنا وقال الزوج في الخامسة: ﴿أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ فهو يدعو على نفسه إن كان كاذبا في القذف أن يلعنه الله كما أمر الله رسوله أن يباهل من حاجه في المسيح بعد ما جاءه من العلم بأن يبتهلوا فيجعل لعنة الله على الكاذبين فهذا مما يلعن به القاذف ومما يلعن به أن يجلد وإن ترد شهادته ويفسق فإنه عقوبة له وإقصاء له عن مواطن الأمن والقبول وهي من رحمة الله وهذا بخلاف من أخبر الله أنه لعنه في الدنيا والآخرة فإن لعنة الله له
1 / 51