فجعل ذلك علامة مطردة على عدم الإيمان وعلى الريب مع أنه رغبة عن الجهاد مع رسول الله ﷺ بعد استنفاره وإظهار من القاعد أنه معذور بالقعود وحاصله عدم إرادة الجهاد فلمزه وأذاه أولى أن يكون دليلا مطردا لأن الأول خذلان له وهذا محاربة له وهذا ظاهر.
وإذا ثبت أن كل من لمز النبي ﷺ أو آذاه منهم فالضمير عائد على المنافقين والكافرين لأنه سبحانه لما قال: ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ قال: ﴿لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّه﴾ وهذا الضمير عائد إلى معلوم غير مذكور وهم الذين حلفوا ﴿لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ﴾ وهؤلاء هم المنافقون بلا ريب ولا خلاف ثم أعاد الضمير إليهم إلى قوله: ﴿قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ﴾ فثبت أن هؤلاء الذين أضمروا كفروا بالله ورسوله وقد جعل منهم من يلمز ومنهم من يؤذي وكذلك قوله: ﴿وَمَا هُمْ مِنْكُمْ﴾ إخراج لهم عن الإيمان.
وقد نطق القرآن بكفر المنافقين في غير موضع وجعلهم أسوأ حالا من الكافرين وأنهم في الدرك الأسفل من النار وأنهم يوم القيامة يقولون للذين آمنوا: ﴿انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُم﴾ الآية إلى قوله: ﴿فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وأمر نبيه في آخر الأمر بأن
1 / 36