لقد حطم دين آبائه بهذه الجملة .. لأول مرة في تاريخ البشرية تحطم الأوثان بدين جديد. ونسير مع الآيات:
قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين * قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم (سورة الأنبياء: من آية 59-60).
أرأيت إذن أن تهديد إبراهيم لم يكن معلنا، وأنهم حين وجدوا آلهتهم جذاذا راحوا يتلمسون الفاعل حتى اهتدوا إليه بالاستنتاج لا بالعلم؟
قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون * قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم * قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون (سورة الأنبياء: من آية 61-63).
أرأيت السخرية مرة أخرى؟ سخرية مترفعة. سخرية نبي. ثم هي سخرية تعتمد على المنطق الطبيعي. وأعظم السخرية هي تلك التي تعتمد على المنطق الطبيعي. أنتم تعتقدون أن هذه الآلهة تضر وتنفع، فهي إذن تحيا وتسعى وتعقل وتفعل، فلماذا لا يكون كبيرهم هذا هو الذي حطم الآلهة الصغيرة؛ لأنها لا تعجبه، ولأنه أراد ذلك؟ أليس إلها وكبير الآلهة؟ منطق لا يقبل المناقضة. وحين يبلغ المنطق قمته لا يمكن أن يكون جوابه إلا القوة الباطشة. يلجأ إليها الظالمون؛ لأنهم لا يستطيعون أن يلجئوا إلى المنطق؛ فلو ملكوا المنطق ما احتاجوا إلى القوة.
قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين * قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم * وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين (سورة الأنبياء: آية 68-70).
وقد تصلح القوة الباطشة لمن لا نصير له، فكيف إن كان النصير هو الله جل وعلا؟ يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم. فهي برد وسلام على إبراهيم، والكافرون هم الأخسرون. ولا نستطيع أن ننهي حديثا عن إبراهيم قبل أن نلقي نظرة متأنية على هذا الحوار السماوي الرائع الذي بين إبراهيم وأبيه وقومه.
وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين * وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين * فلما جن عليه
2
الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين * فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين * فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون * إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين (سورة الأنعام: آية 74-79).
Неизвестная страница