فتشنج قلبي تشنجة حادة وصحت بفزع: الحقيقة!
فحدجتني بدهشة وتساءلت: ما لك؟! - فهتفت في انزعاج: أحقا قلت لها الحقيقة؟!
فقالت بعجلة ولهوجة: أجل قلت لها: إنه لم يجد شيء بعد!
وتنفست الصعداء! إنها تعني حقيقة غير التي تشغل بالي. على أنه بقي في النفس شيء .. فقلت بحرارة: «رباب» أهذا كل ما قالت؟ لا تخفي عني شيئا وأنت قلبي وحياتي.
فقالت بارتباك وقد قرأت البراءة في عينيها: عم تتساءل يا كامل؟ إنني لم أقل لها كلمة واحدة زيادة عما قلت لك. لقد سألتني عن هذا الأمر فلم يسعني إلا أن أجيب بالحق والصدق، وهو أمر كما تعلم لا ينفع فيه الكذب، فهل تراني أخطأت؟ أم كنت تريدني على أن أتظاهر بالحبل؟
فقلت في ارتياح نسبي: كلا يا عزيزتي .. لقد أحسنت بصراحتك!
لن أذوق طعم الأمان ما دامت هذه المرأة على مقربة منا .. رباه، إني أحتضن همي وحدي لا صديق ولا مشير، ولقد ضقت ذرعا بأمها وبأمي وبنفسي! وعاودني السؤال القديم: هل ما ينقصنا ضروري للحياة الزوجية؟ هل تجد حبيبتي مثل هذا الإحساس الحيواني الذي دفعني إلى اعتناق العادة الآثمة؟! أيمكن أن تعتري حبيبتي الطاهرة المحتشمة هذه الشهوة الوحشية؟ إن هذا لأبغض مما أتصور! •••
وانتهت إجازتي فعدت إلى إدارة المخازن بالوزارة، واستقبلني الموظفون استقبالا حافلا، لم يكن لي بينهم صديق، ولكن المناسبة - عودة عروس من شهر العسل - أنستهم تحفظهم فأقبلوا علي بين مهنئ ومداعب، وتلقيتهم في صمت وارتباك وخجل، وتكلموا كثيرا. وتطوع أحدهم بتحذيري من الإفراط، واستفاض الحديث حتى ألهاهم عني، وخاضوا في طبيعة الرجل وطبيعة المرأة، واستشهدوا بالأمثال والحوادث والحكايات. أنصت إليهم خفية وأنا أتظاهر بفحص الآلة الكاتبة بقلب مكلوم ونفس معذبة، وكم تمنيت أن يستشهد أحدهم بحالة «كحالتي»، ولكن حالتي لم تقع لأحدهم في حسبان، وامتلأت نفسي بما سمعت حتى دارت بي الأرض. إن رباب امرأة فهل يصدق عليها ما يصدق على النساء إن صح ما يقوله هؤلاء الموظفون؟ أيمكن أن تضيق بحياتها أو تمل عشرتي؟! ولكنها سعيدة؟ ما رأيت وجهها إلا متألقا بنور السعادة، وما رنت عيناها إلي إلا بالحب والإخلاص! إن وجهها لا يعرف الرياء، وإنه لصفحة نقية ومرتاد طاهر لا يكتم كذبا ولا يداري إثما. كذب هؤلاء الموظفون! إنهم حيوانات فلا يرون الناس إلا حيوانات مثلهم. بيد أنني غير مطمئن، ولن أذوق الطمأنينة مهما أقنعت نفسي بها، لقد نبت دمل الشك. ولما خلوت إلى حبيبتي ذلك اليوم جعلت أنظر إليها طويلا متفكرا دون أن أنبس، حتى ضحكت وقالت لي: هل عاودك الحنين إلى النظر الصامت القديم؟
وهفت على فؤادي نسمة لطيفة من قديم الذكريات حين فؤادي مضطرم وأملي مشرق، وهذه البلوى لا تدور لي في خلد. وتمليت الذكرى مليا، ثم سألتها في إشفاق: رباب .. أأنت سعيدة؟
فنظرت إلي باستغراب وقالت بصوت ينم عن الصدق: سعيدة جدا.
Неизвестная страница