الوجه المتألم لا يمكن أن يستر قلبا طروبا، وصدى الشهقة يستحيل أن تكون قهقهة، فظاهر الألم ألم؛ لأنه لا يحمل نقابا على وجهه.
لا مراء في أن للخيال دخلا في كل أمور الحياة، قليلا كان ذلك أم كثيرا، فالسرور والانشراح وغير ذلك من حالات الصفو مصدرهما الخيال، أما الآلام والأكدار فمنشؤها الحقيقة، والألم الناشئ عن الحقيقة مصباح ينير طريق السمو أمام الروح؛ لأن عين السور كليلة عن حقيقة المرئيات، أما عين الأكدار والآلام فترى الأشياء بوضوح تام، ومثل تلك الإحساسات الناشئة في ظل قلب سعيد يكون أكثرها سطحيا مموها بطلاء سريع الزوال، أما إحساسات القلوب المملوءة بالأحزان والأشجان فهي في الغالب حقيقية، إن الآلام تحيي في النفوس ما أماتته الغفلة، وتمحو أثر كل لبس وإبهام، وتزيح من أمام الأنظار ستار الأوهام والخيالات، فتزداد بذلك بصيرة العيون الكليلة، وتشتد حدة الأذهان البليدة، وتقوى الإحساسات في القلوب الضعيفة.
الألم درس واطلاع، وتحمل الألم معناه إدراك، أما الإدراك فهو الوصول إلى الحقيقة، وعلى هذا الأساس تتوقف رقة الحواس بأكملها، فالألم إذن حقيقة، والغوص في قرارة النفوس المتألمة لاستجلاء الحقائق إلهام ونبوغ.
Неизвестная страница