أو يكون أحد الحبين مغريا بالرجاء، والحب الآخر مشوبا باليأس والريبة.
أما أن يجتمع حبان قويان من نوع واحد في وقت واحد فذلك ازدواج غير معهود في الطباع؛ لأن العاطفة لا تقف دون المدى ولا تعرف الحدود، وإذا بلغت مداها العاطفة جبت ما سواها.
وقد كان همام يحب امرأة أخرى حين التقى بسارة في بيت ماريانا، يحبها الحب الذي جعله ينتظر الرسالة أو حديث التليفون كما ينتظر العاشق موعد اللقاء، وكانا كثيرا ما يتراسلان أو يتحدثان، وكثيرا ما يتباعدان ويلتزمان الصمت الطويل إيثارا للتقية واجتنابا للقال والقيل وتهدئة من جماح العاطفة إذا خافا عليها الانقطاع، ولكنهما في جميع ذلك كانا أشبه بالشجرتين منهما بالإنسانين ، يتلاقيان وكلاهما على جذوره، ويتلامسان بأهداب الأغصان، أو بنفحات النسيم العابر من هذه الأوراق إلى تلك الأوراق ...
كانا يتناولان من الحب كل ما يتناوله العاشقان على مسرح التمثيل، ولا يزيدان.
وكان يغازلها فتومي إليه بأصبعها كالمنذرة المتوعدة، فإذا نظر إلى عينيها لم يدر أتستزيده أم تنهاه، ولكنه يدري أن الزيادة ترتفع بالنغمة إلى مقام النشوز.
وكان يكتب إليها فيفيض ويسترسل، ويذكر الشوق والوجد والأمل، فإذا لقيها بعد ذلك لم ير منها ما ينم على استياء، ولم يسمع منها ما يدل على وصول الخطاب، وإنما يسمع الجواب باللحن والإيماء دون الإعراب والإفصاح.
وربما تواعدا إلى جلسة من جلسات الصور المتحركة في مكان لا غبار عليه، فيتحدثان بلسان بطل الرواية وبطلتها، ويسهبان ما احتملت الكناية الإسهاب، ثم يغيران سياق الحديث في غير اقتضاب ولا ابتسار.
وكانا أشبه بالنجمين السيارين في المنظومة الواحدة، لا يزالان يحومان في نطاق واحد، ويتجاذبان حول محور واحد، ولكنهما يحذران التقارب ... لأنه اصطدام!
ولم تكن هند - وليكن اسمها هندا - لتعتقد الرهبانية في همام، ولا لتزعم بينها وبين وجدانها أنه معزول عن عالم النساء، غير أنها لم تكن تحفل اتصاله بالنساء ما دام اسمهن نساء لا يلوح من بينهن اسم امرأة واحدة، وشبح غرام واحد؛ فإن اسم النساء في هذه الحالة لا يدل على معنى، ولا انتقاص فيه لما بينهما من رعاية واستئثار.
فلما شعرت بأن النساء تحولن عنده إلى امرأة لها شأن غير شئون أخواتها من بنات حواء زارته على حين غرة في مكتب عمله، وهي الزيارة الأولى والأخيرة من قبيلها، ولم يكن لها مسوغ من طول الغيبة ولا امتناع الحديث في التليفون، فما شك لحظة في غرض الزيارة ولا في باعثها، وتوقع منها عتبا عنيفا على أسلوبها في التعبير الصامت المبين، ولكنه علم سلفا أنها غير منصفة في عتبها؛ لأنه لم يختلس منها شيئا هو من حقها عليه، فرحب بها وأبدى لها استغرابه لزيارتها وابتهاجه بسؤالها عنه، وأنصت مترقبا ... فقالت بعد فترة وصوتها يتهدج: لست زائرة ولا سائلة!
Неизвестная страница