فأجابها فلوتشين وهو يفرك كفيه: «تأثير الزهرة المونقة تصافح عين الموغل في قلب الغابة المظلمة.»
ثم بدأ حديث فارغ متكلف، كل ما يجري به اللسان منه كاذب راجف، وكل ما يطوونه هو الصادق. وجلس سانين في صمت يصغي إلى أحاديث النفوس الصامتة المخلصة التي كانت تنطق بها الوجوه والأيدي والأقدام واضطراب نبرات الصوت. وكانت ليدا شقية، وفلوتشين يشتاق جمالها، وسارودين يمقتها ويمقت سانين وفلوتشين والدنيا جميعها، وكان يحب أن يفارقهم ولكنه لم يستطع أن يتحرك، ونازعته نفسه أن يأتي أمرا فاضحا غير أنه لم يسعه إلا أن يدخن سيجارة بعد أخرى وهو أشد ما يكون رغبة أن يعلن إلى الحضور أن ليدا عشيقته.
وعادت ليدا فسألت فلوتشين: «وكيف تحب المقام هنا؟ ألا تأسف لتركك بطرسبرج وراءك.» ونفسها تتقطع حسرات وهي تعجب لأمرها لماذا لا تنهض وتدعهم.
فقال فلوتشين بالفرنسية ولوح بيده وحدق في ليدا: «على العكس!»
فقالت ليدا بدلال: «اسمع! اسمع! دعنا من الخطب الجميلة.» وكان جسمها يقول لسارودين: «إنك تظنني شقية أليس كذلك؟ وأنني سحقت؟ ولكنك يا صاحبي مخطئ ! انظر إلي!»
فقال سارودين: «يا ليدا بتروفنا! كيف تسمين هذا خطبة جميلة.»
فسألته ليدا بجفوة: «عفوا يا سيدي ماذا تقول؟» كأنما لم تكن سمعته ثم عادت إلى كلام فلوتشين بلهجة أخرى: «حدثنا عن الحياة في بطرسبرج. إننا هنا نعيش كالنبات.»
ورأى سارودين أن فلوتشين يبتسم لنفسه ابتسامة من لا يصدق أن سارودين كانت له بها علاقة متينة فعض شفتيه وتوجع.
فتعلقت عين فلوتشين بجمال ليدا وانطلق يهضب وكأنه القرد الصغير يهذي بما لا يفهم وقال: «حياة بطرسبرج الشهيرة؟ إني أؤكد لك بشرفي أن حياتنا مملة لا لون لها. ولقد كانت هذه الحياة إلى ما قبل اليوم كذلك في بطرسبرج وفي غيرها.»
فقالت ليدا وأطبقت جفونها: «أكذلك تقول؟»
Неизвестная страница