Салах ад-Дин Айюби
صلاح الدين الأيوبي وعصره
Жанры
وكانت تلك الحروب - ولا شك - حروبا لا يقصد بها سوى مد السلطان والغلبة؛ فإن السلاجقة كانوا قوما محاربين أتوا من أواسط آسيا، فما زالوا يحاربون بعد ذلك من أجل فتح سائر ما يليهم من الأقاليم، وكانت تلك الأقاليم التي تليهم في أيدي الرومان على الأكثر، ولو أنها كانت في أيدي سواهم لحاربوهم ولو كانوا من أمراء المسلمين.
خريطة حدود دولة ملك شاه.
وقد سببت تلك الحروب - كما تسبب الحروب في كل عصر - عداوة بين الجانبين المتحاربين، فحدثت حوادث لا يخلو من مثلها وقت مضطرب مثل ذاك الوقت ، وما كانت تلك العداوة وما نشأ عنها من الحوادث لتأخذ صورة خاصة في التاريخ لولا ما وقع بعدها من الحوادث الجليلة التي هزت العالم أجمع.
بينما كان ألكسيوس يفكر في طريق يخرجه من حرج موقفه أمام ملك شاه إذا بالموت عدا على عدوه المخيف وتمزقت بموته دولة السلاجقة التي بناها ثلاثة من ملوكهم العظام، وهناك تنفس الإمبراطور، وكان رجلا من رجال الدهاء والاحتيال؛ فرأى أن ينتهز فرصة انثلام ذلك الهيكل العظيم الذي إلى شرق بلاده فيحطمه ليأمن غائلته، فأرسل إلى فتية في أوروبا معودين الحرب؛ كي يأتوا ليعيدوا له ما فقدته دولته، متناسيا ما كان بين الغرب والشرق في العالم المسيحي من منافسة وخلاف، وكانت الظروف مساعدة له فرأى أن يلبس الحقائق لباسا يجعله يستفيد منها.
فصور المسلمين أنهم قوم أتوا إلى بلاده لا يقصدون إلا حربا دينية يهدمون بها ديانة المسيح، وعزا ما ارتكبه الجنود السلاجقة من الاعتداء على المسيحيين في الشام وآسيا الصغرى إلى رغبة كمينة في نفوسهم في أذى النصارى، وساعد على إذاعة أمثال هذه المزاعم جماعة من المتحمسين أمثال بطرس الراهب الذي ثارت نفسه عندما رأى قبر المسيح في يد السلاجقة الظافرين وهم حديثو العهد بظفرهم. وهكذا سمعت أوروبا نغمة لم تطرق أذنها من قبل: دعوة إلى نصرة المسيح على المعتدين المسلمين، وما هو إلا أن صرخ ألكسيوس حتى أجيبت الدعوة بثورة هزت أرجاء العالم؛ فلقد أرسل إلى البابا «أربانوس الثاني» - وهو في مجلس ديني في «كليرمون» سنة 1095 - يدعوه إلى نصرة المسيح واسترداد بيت المقدس من السلاجقة، فما انفض ذلك المجلس حتى نادى البابا نداءه التاريخي الذي دوى في أنحاء أوروبا. وانطلق المتحمسون في أنحاء البلاد يصورون الإسلام ظالما عاتيا مغيرا، ولم تكن حكاياتهم خالية من الحقيقة، ولكنها - كما قدمنا - كانت حوادث طبيعية في عصر ثارت فيه ثائرة الحروب بين متنافسين قديمين. على أنه لم يكن أحد ليمحص تلك الحجج التي أوردها أمثال بطرس الراهب؛ فثارت العاصفة هوجاء تخبط خبط عشواء. (4) لماذا لبت أوروبا الدعوة؟
إذا كان ألكسيوس قد تناسى ما كان بين دولته وبين الغربيين، فأعجب من ذلك أن يأتي الغرب إلى مساعدته بتلك الحماسة العظيمة؛ فالحق أن أوروبا في هذا الوقت كانت مستعدة أعظم استعداد لإيقاد النيران، وكان البابا والكنيسة هما الطريقان الوحيدان إلى إثارة تلك النيران، وقد عرف ألكسيوس أن يلمس المكان الذي فيه سر الانفجار.
كان الدين في القرن الحادي عشر سيد أوروبا، وكان رجال الدين - وعلى رأسهم البابا في ذلك القرن - أصحاب عواطف أهل أوروبا، وكان في أوروبا في ذلك الوقت رجال يحبون الحرب ويعيشون له ولا يسعهم إلا تلبية الداعي إليه، ولا سيما إذا كان لنصرة الدين، وذلك كله يرجع إلى أسباب لا بد من بيانها موجزة في الفقرتين الآتيتين:
الانقلاب في نظام أوروبا
حدث انقلاب عظيم في نظام الدولة الفرنجية في أواخر القرن التاسع للميلاد؛ وذلك أن شارل الكبير كان قد أقام دولة عظمى تشمل أكثر بلاد الدولة الرومانية القديمة، ثم خلع البابا عليه لقب الأباطرة، وأصبح لقبه إمبراطور الدولة الرومانية الغربية، وقد حاول شارل أن يجعل دولته على نظام شبيه بنظام الدولة الرومانية القديمة، وأكبر ما يرمي إليه جعلها دولة واحدة وأن يكون هو على رأسها ومركزها، ولقد كان تحته طائفة من الحكام والرؤساء ولكنه عمل على أن يكونوا عمالا له مؤتمرين بأمر الحكومة المركزية، ثم سار ابنه «لويس التقي» على مثل ذلك بما استطاع، لكنه لم يكن كأبيه دراية وكياسة وقوة، فما هو إلا أن مات لويس حتى تقسمت الدولة الرومانية الغربية إلى أقسام ثلاثة بين أولاده، وبدأت بذلك أول حلقة من سلسلة تقسم لبث يحطم تلك الدولة إلى آخر القرن التاسع للميلاد.
وقد كانت أوروبا في ذلك القرن التاسع مهددة بأخطار جسيمة من تجدد إغارات القبائل المتوحشة وأكبرها عند ذلك قبائل النرمانديين والمجريين، زيادة على ما كان يصيبها من غزو العرب في الأندلس وصقلية وجنوب إيطاليا برا وبحرا، وقد كان لهذه الغزوات أثر بعيد المدى.
Неизвестная страница