فقال نجم الدين: «وهو جدير بذلك وأرى أن تقدمه وتجعله من خاصتك.»
قال: «هو من حرسي كما قلت لك.»
قال: «أحب أن يلازمك ولا يفارقك ليلا ولا نهارا، وأن تكون له دالة الصديق فيدخل عليك بلا إذن.»
فالتفت صلاح الدين إلى عماد الدين وقال له: «أمر والدي بذلك، فأنت من الآن لا تفارقني في حلي ولا ترحالي.» ونهض ومشى مع أبيه نحو القصر وعماد الدين يتبعهما. وأمر صلاح الدين قيم القصر أن يختص عماد الدين بغرفة قرب غرفته ففعل، وأصبح عماد الدين لفرط امتنانه لا يعرف كلاما يؤدي به ما في خاطره، ولكنه أضمر أن يتفانى في خدمة مولاه. ويغلب في صادقي المودة والمخلصين في أعمالهم أن يكون لسانهم قصيرا فيعبرون عن شعورهم بالعمل دون الكلام.
ولم يكن لهم في ذلك اليوم شاغل مهم، فبعد العشاء ذهب كل إلى غرفته وقضى نجم الدين ليلته في غرفة ابنه صلاح الدين يتحادثان في شئون كثيرة ترجع إلى علاقة مصر بنور الدين. ثم انصرف كل منهما إلى فراشه. •••
بات صلاح الدين تلك الليلة كعادته وهو يفكر في أمر مصر ومطامعه فيها حتى غلب عليه النعاس فنام، وفد أطفئت مصابيح القصر واطمأن الحراس إلا عماد الدين فإنه شعر بعد أن اختصه صلاح الدين بقربه أنه يجب أن يكون أكثر يقظة وسهرا على حياته. فبات وهو يفكر في ذلك فحلم لفرط قلقه أن صلاح الدين يناديه فنهض مذعورا وأصاخ بسمعه فلم يسمع شيئا، فحدثته نفسه أن ينهض ويتسمع فخاف أن يوقظ مولاه وهو على يقين أنه سمع ذلك في الحلم. فعاد إلى فراشه وقد طار نومه وكثر تقلبه بين اليقظة والمنام. وإذا هو يسمع وقع خطوات، فهب من رقاده وتسمع فلم يسمع شيئا فغلب على خاطره أنه يسمع هاجسا. ونظر إلى السماء فعلم أن الفجر قريب ورأى أنه لم يعد قادرا على الرقاد فلبس ثيابه. وحالما لاح الفجر خرج ليطل على غرفة صلاح الدين فرآها مقفلة وكل شيء هادئ والحراس بالباب كالعادة فعاد إلى غرفته.
ولم تمض هنيهة حتى سمع صلاح الدين يناديه فلباه ودخل غرفته فرآه جالسا على سريره بلباس النوم وقد أخذته الدهشة. فأسرع إليه وحياه، فصاح به صلاح الدين: «ما هذا؟» وأشار إلى الوسادة عند رأسه. فتقدم عماد الدين فرأى خنجرا مسلولا عليه آثار دم قديم قد ألقي عند موضع رأس صلاح الدين من الوسادة فأجفل وصاح: «من فعل هذا يا سيدي؟» قال: «لا أدري، لكني صحوت في هذه الساعة فرأيت الحال كما تراها.» فأطرق عماد الدين يفكر فوقع بصره على شيء عند قدمي السرير فإذا هو غمد ذلك الخنجر، فتناوله وتأمله فلم يذكر أنه يعرف صاحبه. وبينما هو يتفرس فيه إذ رأى في جوفه بطاقة استخرجها ودفعها إلى مولاه ففضها وقرأها فبانت البغتة في عينيه، ثم دفعها إلى عماد الدين وصفق فدخل عليه أحد الغلمان فأمره أن ينادي الأمير نجم الدين والده حالا.
أما عماد الدين فإنه قرأ البطاقة وأعاد قراءتها وتناول الخنجر وتأمله وأعاد النظر فيه، فقال صلاح الدين: «كيف يدخل الناس علي وأنا نائم داخل هذا القصر والأبواب موصدة ولا يشعر أحد من الحراس؟»
فأحس عماد الدين أن التوبيخ موجه نحوه؛ لأنه أقرب الحراس إليه، فارتج عليه من شدة التأثر، وهم أن يجيب وإذا بنجم الدين قد دخل، فلما رآهما في تلك الحال تناول البطاقة وقرأها وإذا فيها:
من أحد مريدي سيد الإسماعيلية إلى يوسف صلاح الدين
Неизвестная страница