فقالت: «إني لا أطلب كفؤا ولا غير كفء، قلت لك من قبل إني لا أطلب الزواج. دعنا من هذا الآن، وليطلب النصيب من طريق آخر.»
فقال الجليس: «ولكن يا سيدتي، إذا قبلت فإنك تخدمين مصلحة مولانا الأمير؛ لأن أبا الحسن أقدر إنسان في الدنيا على إنقاذه.»
قالت وهي تنظر إليه نظر الاستخفاف: «إن أبا الحسن كاذب، إنه لا يستطيع شيئا من ذلك.»
فضحك الجليس ضحك استعطاف وقال: «قد ظلمته بهذا الحكم يا سيدتي؛ لأني على يقين من تفانيه في خدمة مولانا، وهو صادق الغيرة على شرف آل البيت؛ لأنه من صميمهم.»
فقالت: «وهو كاذب في هذا أيضا. إن آل البيت عرفوا بصدق اللهجة والإخلاص، وهذا رجل كاذب منافق وكفى.»
فامتعض العاضد من حكمها بهذه الصراحة وقال: «لا دليل على ما تقولين غير قولك، وقد عرفت الرجل من بضعة أعوام ولم أر منه إلا كل مودة وإخلاص، ولا أعلم كيف جاز لك الحكم عليه بالكذب والنفاق؟
قالت: «أما أنا فأعلم. وستبدي لك الأيام صدق قولي. أظنك قد تعبت يا أخي وأتأسف لأننا شططنا بالحديث إلى هذا الحد. وأنت منحرف المزاج فاذهب إلى فراشك وسترى في الغد أني أقول الحق.»
وكان العاضد قد تعب فعلا وكان لقولها تأثير شديد فيه ... فرأى أن يطيعها ويؤجل الأمر إلى فرصة أخرى. فنهض الجليس وذهب كل إلى فراشه والخليفة أحوج إلى الرقاد. •••
كان الجليس أقلهم رغبة في الرقاد لما أصابه من الفشل في المهمة التي كلفه أبو الحسن بقضائها. وكان الجليس شيخا حسن الظن قد استهواه أبو الحسن بدهائه ومواعيده، وأقنعه ببرهانه وذلاقة لسانه أن انتقال ولاية العهد إليه خير للدولة وله ولكل من فيها. ولم يكن عند الجليس شك في اقتدار أبي الحسن على إنقاذ الدولة من صلاح الدين. فلما كلفه بهذه المهمة سعى فيها من كل قلبه وصمم على ترغيب العاضد فيها وهو يعتقد أنه يخدم بها مصلحته.
فلما عاد بالفشل أصبح لا يدري كيف يبلغ أبا الحسن نتيجة تلك المهمة، فأعمل فكرته في تلطيف الأسلوب حتى لا يثقل الأمر عليه.
Неизвестная страница