فقال العاضد: «من هو زعيمهم الآن وأين هم؟»
قال: «إن أصلهم يا سيدي من أتباع الحسن بن الصباح في زمن جدك الحاكم بأمر الله - رحمه الله - أي منذ أكثر من مائة وخمسين سنة. فأقام حسن هذا في قلعة ألاموت قرب قزوين. وألف جمعية من الفدائيين الذين لا يخافون الموت، ويعرفون بالحششة أو الحشاشين نسبة إلى عقار مخدر يتناولونه يسمونه الحشيشة. وتوالى عليهم زعماء كثيرون في بلاد فارس والعراق والشام. وزعيمهم الآن يقال له راشد الدين سنان يقيم في جبل السماق من أعمال حلب، يعتصم هناك بالقلاع وعنده رجال مجربون يطيعونه حتى الموت. إذا أمر أحدهم بقتل ملك أو سلطان بادر إلى الطاعة حالا. وقد قتلوا كثيرين كما ذكرت. وللشريف أبي الحسن صداقة شخصية مع سنان هذا بالنظر إلى نسبه الشريف وله عليه دالة، فإذا أمره أن يبعث رجلا يقتل هذا الرجل فعل.»
فبان البشر في عيني العاضد يخالطه الاستغراب وقال: «وكيف يستطيع القاتل أن ينجو من هذا المعسكر؟ وكيف يصل إلى يوسف ودون الوصول إليه سدود وعراقيل كما تعلم؟»
قال: «إن هؤلاء الفدائيين يتنكرون عادة بألبسة السياس أو الخدم ويختلطون بالخدم زمنا يترقبون الفرص، فإذا سنحت فرصة فعلوا فعلهم ثم لا يهمهم ماذا يصيبهم بعد ذلك ولا يبالون بالموت؛ لأنهم يرون القتل في هذا السبيل حياة سعيدة .»
فالتفت الخليفة إلى أخته يلتمس مشاركتها إيه في الإعجاب. فرآها مطرقة تفكر فقال لها: «أرأيت اهتمام هذا الشريف بمصلحتنا؟»
فظلت ساكتة ولم تجب.
فالتفت إلى الجليس وقال: «هل أخبرك متى يباشر هذا العمل؟» فتشاغل الشيخ بحك عثنونه وسعل وتنحنح وبان الارتباك في عينيه، فلم ينتبه الخليفة له. أما سيدة الملك فلم يفتها ما ينطوي تحت تلك الحركات، فأخذت تختلس النظر وتصيخ سمعها فإذا هو يقول: «إنه مولاي يشترط علي هذا العمل شرطا واحدا. وإن مولاي يعلم أن أبا الحسن عريق في النسب الشريف. وهو أكبر أبناء عمكم المرشحين لولاية العهد سنا و... و...»
فلحظت سيدة الملك غرضه فبادرت قائلة: «أظنه يشترط أن يكون وليا للعهد بعد أمير المؤمنين.»
فأجاب الشريف بسرعة كأنه يعتذر عن تطاول أبي الحسن قائلا: «إن طلبه هذا من قبيل الجنون. ولا معنى له؛ لأن مولانا أمير المؤمنين - أطال الله بقاءه وعجل موتنا قبل أن يصاب بسوء - ما زال شابا في مقتبل العمر، وأبو الحسن في حدود الكهولة. ولكنه يشترط ذلك ترضية لنفسه على تحمل تلك المشقة، مع ما يحدق بها من الخطر. ومن يدري هل يبقى حيا يوما واحدا بعد تنفيذ مهمته؟»
فقال الخليفة: «يشترط أن يكون ولي عهد الخلافة بعدي؟»
Неизвестная страница