Салят аль-Истихара: Юридические вопросы и образовательные преимущества
صلاة الاستخارة مسائل فقهية وفوائد تربوية
Издатель
دار كنوز إشبيليا للنشر والتوزيع
Номер издания
الأولى
Год публикации
١٤٣١ هـ - ٢٠١٠ م
Место издания
الرياض - المملكة العربية السعودية
Жанры
صَلَاة الاستخارة - مسَائِل فقهية وفوائد تربوية
تأليف
عقيل بن سَالم الشهري
دَار كنوز إشبيليا للنشر والتوزيع
Неизвестная страница
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ..
وبعد:
فقد امتن الله علينا بإنزاله القرآن العظيم، فيه شفاء للقلوب من أسقامها، وتزكية للنفوس عن أدرانها، وأنزل مع السنة النبوية تبيانًا له، فلا يشقى من تمسك بهما، ولا يخاف من اهتدى بهما، ولما كان عمود ذلك يقوم على التدبر والتأمل، وإعمال الفكر، وإعادة النظر، حتى يجول القلب في ملكوت الحكمة، فيقتنص من أوابدها، ويغوص لتحصيل دررها وجواهرها، فقد أنكر الله على من أهمل ذلك قائلًا له: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النساء: ٨٢].
واستجابة لأمر الله في التدبر والتأمل في وحيه، والسنة النبوية من وحيه تعالى، فقد عقدت العزم على التأمل والتدبر والاستنباط في بعض الأحاديث النبوية، وقد جمعت من ذلك ما يكون بداية طريق ارتسمته لنفسي، ومن ذلك قراءة حديث الاستخارة والغوص في معانيه، وحداني لذلك أمران:
الأول: تطبيق عملي لمشروعي في استنباطات من السنة النبوية.
الثاني: اختصاص حديث الاستخارة بتعليم النبي ﷺ للصحابة، حتى كأنه يعلمهم السورة من القرآن، وهذا يقتضي الإعادة والتكرار والمدارسة حتى يحفظوه.
ولا شك أن هذا يسترعي الاستغراب، ويستدعي الانتباه إلى وجوده أسرار إيمانية اختص بها دعاء الاستخارة من غيره من الأدعية.
1 / 5
ومع صغر البحث إلا أني أحببت تقسيمه إلى قسمين، هما:
القسم الأول: المسائل الفقهية المتعلقة بصلاة الاستخارة، وفيه إحدى وعشرون مسألة:
المسألة الأولى: الأحاديث الواردة في الاستخارة.
المسألة الثانية: أصل مشروعيتها.
المسألة الثالثة: حكم صلاة الاستخارة.
المسألة الرابعة: ما هي الأمور التي تشرع لها صلاة الاستخارة؟
المسألة الخامسة: هل تؤدى صلاة الاستخارة في وقت النهي؟
المسألة السادسة: متى تبدأ نية صلاة الاستخارة؟
المسألة السابعة: عدد ركعات صلاة الاستخارة.
المسألة الثامنة: ماذا يقرأ في صلاة الاستخارة؟
المسألة التاسعة: متى يقال دعاء الاستخارة؟
المسألة العاشرة: ما يفعله من لم يحفظ دعاء الاستخارة:
المسألة الحادية عشرة: هل يستحب البدء في الدعاء بالحمد لله، والصلاة على النبي ﷺ؟
المسألة الثانية عشرة: هل يشرع تكرار صلاة الاستخارة؟
المسألة الثالثة عشرة: ماذا يفعل المسلم بعد صلاة الاستخارة؟
المسألة الرابعة عشرة: هل صلاة الاستخارة صلاة مستقلة أو يصح تداخلها مع غيرها من الصلوات؟
المسألة الخامسة عشرة: هل تصح النيابة في صلاة الاستخارة؟
المسألة السادسة عشرة: أنواع صلاة الاستخارة.
المسألة السابعة عشرة: هل يصح الاستخارة في أمرين أو أكثر في صلاة واحدة؟
1 / 6
المسألة الثامنة عشرة: ما يختاره الداعي من الألفاظ التي اختلفت الرواية فيها؟
المسألة التاسعة عشرة: هل يسمي حاجته أو يكتفي بالنية؟
المسألة العشرون: أيهما يقدم الاستخارة أو الاستشارة؟
المسألة الحادية والعشرون: مما قيل في الاستخارة.
القسم الثاني: الفوائد التربوية من دعاء صلاة الاستخارة، وفيه: ثمانون فائدة.
ولقد ترسخ لدي قناعةٌ بحاجة السنة النبوية إلى زيادة نظر وتدقيق واستنباط أحكام وفوائد، أو ما يصح تسميته (تثوير السنة) (١).
ولئن خدمها سلفنا الصالح بالتمحيص والتدقيق والتخريج، وبيان الشاذ من الألفاظ من غيرها، فقد كان لهم جهد واضح في الاستنباط، وكتاب فتح الباري للحافظ ابن حجر نموذج فريد في ذلك، كان بالإمكان أن يُحتذى حذوه في بقية كتب السنة النبوية.
وأسال الله أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح، والإخلاص في القول والعمل، وأن يتقبله مني، وأن يجعله في ميزان حسناتي ووالدي يرحمه الله، وألا يحرمه أجري وأجر جميع أعمالي، وأشكر الأخ الفاضل/ خليف بن هيشان العنزي على جهده في إخراج هذا الكتاب، وعنائه في ترتيبه وقراءته وفهرسته، سائلًا الله أن يجعل ذلك في ميزان حسناته وأن ينفع به، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
عقيل بن سالم الشمري
عضو الدعوة والإرشاد بحفر الباطن
Ageel٠٠١@yahoo.com
_________
(١) هذا المصطلح مأخوذ من قول ابن مسعود ﵁ موقوفًا: (من أراد علم الأولين والآخرين فليثور القرآن). أخرجه البيهقي في الشعب ٢/ ٣٣١، والطبراني في الكبير ٩/ ١٣٥.
1 / 7
القسم الأول
المسائل الفقهية المتعلقة بصلاة الاستخارة
1 / 9
القسم الأول
المسائل الفقهية المتعلقة بصلاة الاستخارة
صلاة الاستخارة لا تختلف عن أنواع الصلاة الأخرى من حيث الشروط والأركان والواجبات والمستحبات، إلا أن هناك أحكامًا تخصها، ومن ذلك ما يلي:
المسألة الأولى: الأحاديث الواردة في الاستخارة
ورد في الاستخارة عدة أحاديث، وهي كالتالي:
١ - حديث جابر ﵁:
عن جابر ﵁ قال: كان رسول الله ﷺ يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن يقول: «إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة؛ ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم؛ فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم؛ وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني، ومعاشي وعاقبة أمري، أو قال: عاجل أمري وآجله، فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، أو قال: عاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم أرضني به قال: ويسمي حاجته».
أخرجه: البخاري في عدة مواضع (١١٠٩) (٢٣٤٥) (٢٦٩٠)، وأبو داود (١٥٣٨) والترمذي (٤٨٠) والنسائي (٣٢٥٣) وابن ماجه (١٣٨٣) وأحمد (٣٤٤) وغيرهم من طريق عبد الرحمن بن أبي الموال عن ابن المنكدر عن جابر به.
وأنكر الإمام أحمد رواية ابن أبي الموال فقال: وروي عن محمد بن المنكدر حديث الاستخارة وليس أحد يرويه غيره، وهو منكر (١).
_________
(١) الكامل في الضعفاء ٤/ ٣٠٧.
1 / 11
ورده ابن عدي بقوله: وقد روى حديث الاستخارة غير واحد من أصحاب النبي ﷺ كما رواه بن أبي الموال (١)، أي أن للحديث شواهد، كما أن عبد الرحمن بن الموال وثقه جماعة من أهله العلم (٢)، والحديث هو العمدة في الباب.
٢ - حديث ابن مسعود ﵁:
عن عبد الله قال: علمنا رسول الله الاستخارة قال: «إذا أراد أحدكم أمرًا فليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك فذكره، ولم يقل: العظيم، وقدم قوله: وتعلم على قوله: وتقدر، وقال: فإن كان هذا الذي أريد خيرًا في ديني وعاقبة أمري فيسره لي، وإن كان غير ذلك خيرًا لي فاقدر لي الخير حيث كان، يقول: ثم يعزم».
أخرجه الطبراني في الكبير (١٠٠١٢) من رواية صالح بن موسى الطلحي عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة، ورواه أيضًا من طريق أخرى (١٣٠١) من طريق ابن أبي ليلى عن فضيل بن عمرو عن إبراهيم عن علقمة.
٣ - حديث أبي أيوب ﵁:
عن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله ﷺ قال: «أكتم الخطبة ثم توضأ فأحسن الوضوء ثم صل ما كتب الله لك ثم أحمد ربك ومجده، ثم قل: اللهم إنك تقدر ولا أقدر الحديث إلى قوله الغيوب، وبعده فإن رأيت لي في فلانة تسميها باسمها خيرًا في دنياي وآخرتي فاقض لي بها أو قال فاقدرها لي».
وفي لفظ: «خيرًا لي في ديني ودنياي وآخرتي فاقدرها لي وإن كان غيرها خيرًا لي منها في ديني ودنياي وآخرتي فاقض لي ذلك».
_________
(١) الكامل ٤/ ٣٠٧.
(٢) انظر: الفتح ١١/ ١٨٣ وما بعدها.
1 / 12
أخرجه الطبراني في الكبير (١٣٠٧) من رواية الوليد بن أبي الوليد أن أيوب بن خالد بن أبي أيوب حدثه عن أبيه.
وأيوب وخالد ذكرهما ابن حبان في الثقات.
٤ - حديث أبي بكر ﵁:
عن أبي بكر الصديق ﵁ أن النبي كان إذا أراد أمرًا قال: «اللهم خر لي واختر لي».
أخرجه: الترمذي (٣٥١٦) وأبو يعلى (٤٤) والبزار في مسنده (٥٩).
وقال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من حديث زنفل وهو ضعيف عند أهل الحديث.
وقال البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبي ﷺ إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد، وزنفل قد حدث عنه غير إنسان؛ إلا أنه لم يتابع على هذا الحديث، ولكن لما لم نحفظ هذا الكلام عن النبي ﷺ إلا برواية زنفل لم نجد بدًا من كتابته؛ ونبين العلة فيه (١).
٥ - حديث أبي سعيد ﵁:
عن أبي سعيد الخدري ﵁ قال سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إذا أراد أحدهم أمرًا فليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك» الحديث - على نحو حديث جابر - وقال في آخره: «ثم قدر لي الخير أينما كان لا حول ولا قوة إلا بالله».
وأخرجه أبو يعلى في مسنده (١٣٤٢)، والطبراني في الدعاء (١٣٠٤)، وابن حبان في صحيحه (٨٨٥) من طريق محمد بن عمرو بن عطاء عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد بنحو حديث جابر.
_________
(١) مسند البزار (١/ ١٨٥).
1 / 13
٦ - حديث سعد بن أبي وقاص ﵁:
عن سعد ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «من سعادة ابن آدم استخارته الله، ومن سعادة ابن آدم رضاه بما قضاه الله، ومن شقوة ابن آدم تركه استخارة الله، ومن شقوة ابن آدم سخطه بما قضى الله ﷿».
أخرجه الترمذي (٢١٥١) وأحمد (١٤٤٤) والحاكم (١٩٩٠) من طريق إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن جده.
وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث محمد بن أبي حميد ويقال له أيضًا حماد بن أبي حميد، وهو إبراهيم المدني وليس هو بالقوي عند أهل الحديث.
وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وحسنه الحافظ ابن حجر في الفتح (١١/ ١٨٤).
٧ - حديث ابن عباس ﵁.
٨ - حديث ابن عمر ﵁.
عن عبد الله بن عمر وابن عباس ﵁ قالا: كان رسول الله يعلمنا الاستخارة كما يعلمنا السورة من القرآن اللهم إني أستخيرك الحديث إلى آخر قوله علام الغيوب، وزاد بعده: «اللهم ما قضيت علي من قضاء فاجعل عاقبته إلى خير».
أخرجهما الطبراني في الكبير (١٣٠٥) وقال العيني: وإسناده ضعيف وفيه عبد الله بن هانئ متهم بالكذب (١).
٩ - حديث أبي هريرة ﵁.
عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «إذا أراد أحدكم أمرًا فليقل: اللهم إني أستخيرك فذكره ولم يقل العظيم، وفي آخره: ورضني بقدرك».
_________
(١) عمدة القارئ ١١/ ٣٨٠.
1 / 14
أخرجه الطبراني في الكبير (١٣٠٦)، وابن حبان في صحيحه (٨٨٦) من طريق أبي الفضل بن العلاء بن عبد الرحمن؛ عن أبيه عن جده.
وقال ابن حبان: أبو الفضل اسمه شبل بن العلاء بن عبد الرحمن، مستقيم الأمر في الحديث.
وقد ضعفه ابن عدي فقال: حدث بأحاديث له غير محفوظة مناكير وأورد له هذا الحديث، وقال: إنه منكر لا يحدث به غير شبل.
١٠ - حديث أنس ﵁.
عن أنس ﵁ مرفوعًا: «إذا أهممت بأمر فاستخر ربك سبعًا، ثم انظر إلى الذي يسبق في قلبك فإن الخير فيه».
أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة (٥٥١)، ولكنه لا يصح، قال الحافظ في الفتح (١٨/ ١٧١): ولو صح لكان المعتمد لكن إسناده واه جدًا (١).
فنلاحظ أن صلاة الركعتين لم ترد إلا في حديث جابر ﵁، وهو أصحها إسنادًا، وأتمها سياقًا.
****
_________
(١) الفتح ١٨/ ١٧١.
1 / 15
المسألة الثانية
أصل مشروعيتها
من رحمة الله أن أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، فبعثه يجدد لهم ملة أبيهم إبراهيم، وينشر توحيد الله وعبادته في الأرض، وكان أهل الجاهلية تبعًا لما هم عليه من الشرك؛ يقدمون على أمورهم ومصالحهم الدنيوية ويحجمون عنها بالاستقسام بالأزلام، وبتحريك الطيور والنظر إلى جهاتها.
فعوض الله المسلمين بركعتي الاستخارة، لما فيهما من التوكل على الله؛ وتفويض الأمر إليه؛ والرضا بقدر الله وقضائه.
فإذا هممت بأمر وأردت أن تعزم عليه بعد استشارة الناس فإنك تستخير.
وبعض العلماء يستقبح الاستخارة قبل الاستشارة؛ لأنك إذا استخرت فلا تستشر أحدًا بعد الله ﷿، ولذلك قالوا: تكون الاستخارة هي آخر الأمر.
ويؤيد ذلك قوله ﷺ: «إذا هم أحدكم بالأمر» أي: أن يكون عنده الاهتمام، ومعنى ذلك أنه قد وجد من مشورة الناس ومن حديث النفس ما يجعله يتردد.
وهذا أمر مستحسن؛ إلا أنه لا يعني عدم صحة الاستخارة لو تقدمت على استشارة غيره من المسلمين.
****
1 / 16
المسألة الثالثة
حكم صلاة الاستخارة
أجمع العلماء على أن صلاة الاستخارة سنة (١)، وأومأ الشوكاني في نيل الأوطار إلى الوجوب ولم يجزم به، والقول بالوجوب متجه على مذهب الظاهرية، لصراحة الأمر في قوله: «فليركع ركعتين»، ولكن يرد عليه أنه أمر معلق بقوله: «إذا هم أحدكم بالأمر» فليس هو أمرًا مطلقًا.
****
المسألة الرابعة
ما هي الأمور التي تشرع لها صلاة الاستخارة؟
اختلف العلماء في الأمور التي تشرع لها الاستخارة على أقوال كما يلي:
القول الأول: يستخير المسلم في كل أمر، سواء كان أمرًا دنيويًا أو دينيًا:
أما أمور الدنيا: فبالاتفاق.
وأما أمور الدين: فلا يستخير في ذات الأمر الشرعي، وإنما فيما يحتف به من أحوال، كأن يستخير في وقت العمرة، أو مقدار الوقف، أو غير ذلك.
وذلك لأن ذات الأمر الديني مما نهى الله عنه، أو أمر به، أو ندب إليه، أو كرهه؛ أو أباحه لا خيار فيه للعبد المؤمن، لأن العبادة مبناها على التسليم لشرع الله.
القول الثاني: يستخير المسلم في المباحات والمندوبات، أما الواجبات والمحرمات فلا يستخير فيها (٢).
_________
(١) الموسوعة الكويتية ٣/ ٢٤٢.
(٢) حاشية الروض ٣/ ٢٢٠.
1 / 17
القول الثالث: يستخير فيما يتعلق بالمباحات والمشروعات، وليس في ذات المشروع أنه واجب أو مستحب، وإنما فيما يتعلق بالمباحات مثل الزواج، ومثل شراء المركوب، أو شراء البيت أو غير ذلك.
كذلك أيضًا ما يتعلق بالمشروعات كزمان السفر؛ وآلة السفر وغيرها (١).
والذي يظهر - والله أعلم -:
أن هناك أمورًا متفق عليها، وهي كما يلي:
١ - اتفق العلماء على أنه لا يشرع الاستخارة في كل شيء من أمور الإنسان، كأموره العبادية والحياتية ودقائق تصرفاته، لأنه لم يرد أن النبي ﷺ كان يستخير في كل شيء.
٢ - اتفق العلماء على أنه لا يشرع للمسلم الاستخارة في ذات أمور العبادة، سواء الواجبات أو المحرمات، فلا يجوز أن يستخير في أداء أمر واجب، أو ترك فعل محرم.
٣ - اتفق العلماء على أنه يشرع للمسلم الاستخارة فيما يحتف بالأمور المباحة من أحوال كزواج من فلانة، أو وقت سفر، أو تعيين وظيفة، أو تحديد منزل للشراء أو غير ذلك.
واختلفوا في عدة أمور:
١ - هل تشرع الاستخارة فيما ظهرت مصلحته للإنسان؟
٢ - هل تشرع الاستخارة في المندوبات؟
والراجح - والله أعلم وأحكم -:
أن الاستخارة تشرع في كل شيء مما يستخار له، سواء كان مندوبًا أو مباحًا، ويدل لذلك عموم قوله: (قوله يعملنا الاستخارة في كل الأمور) التي تعترينا وتحتاج للاستخارة.
_________
(١) شرح الشيخ المشيقح على عمدة الطالب (٢/ ٢٣٥).
1 / 18
ومما ينبغي التنبيه عليه أن قوله ﷺ: «إذا هم أحدكم بالأمر فليركع» تدل على الاستعجال بالاستخارة وعدم التباطؤ فيها.
****
المسألة الخامسة
هل تؤدي صلاة الاستخارة في وقت النهي؟
هذه المسألة تعرف بذوات الأسباب، ومؤداها: هل يجوز أداء ذوات الأسباب في وقت النهي؟ وقد اختلف العلماء في ذلك على قولين (١):
القول الأول: جواز فعل ذوات الأسباب في أوقات النهي عند وجود أسبابها، وهذا قول الشافعي، ورواية عن الإمام أحمد، اختارها بعض الحنابلة، كأبي الخطاب، وابن عقيل، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، واستدلوا بما يلي:
١ - أن أحاديث النهي عن الصلاة من العام غير المحفوظ؛ لأنه قد دخله التخصيص بأحاديث أخرى، مثل:
- قضاء الفائتة، لقوله ﷺ: «من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك» (٢).
- وبمثل إعادة الجماعة فيمن دخل مسجدًا فوجد الناس يصلون وهو قد صلى، فإنه يصلي معهم، ولو كان الوقت نهيًا، لحديث يزيد بن الأسود في قصة الرجلين؛ وفيه: عن أبي ذر ﵁ قال: قال لي رسول الله ﷺ: «كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها أو يميتون الصلاة عن وقتها؟ قال: قلت: فما تأمرني قال: صل الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصل فإنها لك نافلة» (٣)، وغير ذلك مما دلت عليه السنة.
_________
(١) منحة العلام ١/ ١٥٩ وما بعدها مختصرًا.
(٢) رواه مسلم (٣١٤).
(٣) أخرجه مسلم (١٤٩٧).
1 / 19
ومثل حديث صلاة الاستخارة وتحية المسجد فإنه عام في جميع الأوقات، محفوظ لم يدخله التخصيص، لقوله ﷺ: «فليركع ركعتين من غير الفريضة» لهذا لفظ عام، والقاعدة أن العام الذي لم يدخله التخصيص مقدم على العام الذي دخله التخصيص.
٢ - أن ذوات الأسباب كصلاة الاستخارة وتحية المسجد مثلًا مقرونة بسبب، فلا تدخل في أحاديث النهي، كقوله ﷺ: «لا يتحرى أحدكم فيصلي عند طلوع الشمس ولا عند غروبها» (١)، والذي يصلي لسبب لا يقال: إنه تحرى الصلاة، بخلاف التطوع المطلق الذي لا سبب له.
القول الثاني: أنه لا يجوز فعل ذوات الأسباب من النوافل في أوقات النهي مطلقًا، وهذا مذهب الحنفية، والمالكية، وأحمد في المشهور عنه، واستدلوا:
١ - بعموم أحاديث النهي عن الصلاة في هذه الأوقات؛ لأن أحاديث النهي أقوى، فإنها قد بلغت حد التواتر، كما جزم بذلك الطحاوي، وشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهما.
والراجح:
هو القول الأول؛ لقوة دليله، يضاف إلى ذلك أن ذوات الأسباب تفوت بفوات أسبابها ومن ذلك صلاة الاستخارة في وقت النهي، وتكون مخصوصة من عموم النهي.
****
_________
(١) متفق عليه: أخرجه البخاري (٥٨٥)، ومسلم (١٩٦١).
1 / 20
المسألة السادسة
متى تبدأ نية صلاة الاستخارة؟
وصورة المسألة: شخص صلى ركعتين نافلة مطلقة، ثم بدا له أثناء الصلاة أمرٌ من الأمور يستدعي صلاة الاستخارة، فهل يحق له أن ينوي أم لا؟
الذي يظهر لي - والله أعلم وأحكم - أن نية صلاة الاستخارة تكون قبل البدء فيها، ويدل لذلك ما يلي:
١ - قوله ﷺ في الحديث: «إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة» فلفظ الحديث مشعر باستقلال الاستخارة بنية خاصة لها تكون من بداية الصلاة.
٢ - أن النية شرط، والشروط تكون قبل الأفعال.
وعلى هذا لا يصح لمن كان في صلاة أن ينوي الاستخارة داخل صلاته.
****
المسألة السابعة
عدد ركعات صلاة الاستخارة
اتفق العلماء على ثلاثة أمور هي:
الأول: اتفقوا على أنها لا تصح بركعة واحدة، وذلك لقول النبي ﷺ: «فليركع ركعتين».
الثاني: اتفقوا على أن الأفضل أن تكون ركعتان، وذلك لأن لفظ الحديث نص عليهما.
الثالث: اتفقوا على أنها لا تكون وترًا، لأن الحديث نص على الشفع بقوله: «فليركع ركعتين».
1 / 21
واختلفوا فيما زاد على الركعتين ولم يكن وترًا - كأن يصلي أربعًا - على قولين:
القول الأول: لا تجوز الزيادة على الركعتين، وهو قول الجمهور، واستدلوا بما يلي:
١ - أن الحديث نص على الركعتين فلا تجوز الزيادة على الحديث.
٢ - أن العبادات مبناها على التوقيف، وقد ورد الدليل بأنها ركعتان فقط.
القول الثاني: جواز الزيادة على ركعتين، وهو قول الشافعية (١)، واستدلوا بما يلي:
١ - أن القول بالاقتصار على الركعتين غايته أنه احتجاج بمفهوم العدد، ومفهوم العدد ضعيف كما في علم أصول الفقه.
٢ - ذكر الركعتين في الحديث لا يعني عدم الزيادة، وإنما المراد منه بيان أقل عدد من صلاة الاستخارة؛ بحيث أنه لا يجوز النقصان عن ذلك، وليس المراد منه الزيادة.
والراجح - والله أعلم -:
هو الاقتصار على الركعتين وعدم الزيادة عليهما، وذلك وقوفًا مع السنة النبوية، والنبي ﷺ في مقام تعليم، خاصة أن صلاة الاستخارة كان يعلمها أصحابه كما يعلمهم السورة من القرآن؛ فيبعد مع ذلك جوازها بأكثر من ذلك ولم يبينها لهم.
وليس ذكر الركعتين في حديث جابر ﵁ من باب مفهوم العدد، لأن مفهوم العدد أن يعلق الحكم على عدد معين (٢)، وإنما حديث جابر ﵁ من بيان الصفة فيلزم التقيد به.
****
_________
(١) الدين الخالص ١/ ٢٥٥، والموسوعة الكويتية ٣/ ٢٤٣.
(٢) إرشاد الفحول ٢/ ٤٤.
1 / 22
المسألة الثامنة
ماذا يقرأ في صلاة الاستخارة؟
للعلماء في ذلك تفصيل كما يلي:
١ - اتفق العلماء على أن صلاة الاستخارة كغيرها من الصلوات في ركنية الفاتحة، وسنية ما بعدها من السور.
٢ - اتفق العلماء على أن أي سورة أو آية بعد الفاتحة فهو مجزئ.
واختلفوا في الأفضل في صلاة الاستخارة على أقوال هي (١):
القول الأول: وقال به أكثر أهل العلم وهو أن الأفضل أن يقرأ بعد الفاتحة:
- في الركعة الأولى ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾.
- في الركعة الثانية ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾.
وعللوا ذلك: بأنه من الأنسب أن يقرأ سورتي الإخلاص؛ لما فيهما من الرغبة لله، وإعلان توحيده، وبراءته من الشرك.
القول الثاني: وقال به بعض السلف وهو أن الأفضل أن يقرأ بعد الفاتحة:
- في الركعة الأولى: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ * وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ [القصص: ٦٨، ٦٩].
- في الركعة الثانية: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب: ٣٦].
_________
(١) الدين الخالص ١/ ٢٥٤، والموسوعة الكويتية ٣/ ٢٤٥.
1 / 23
وعللوا ذلك: لمناسبة الحال لهما.
والقول الثالث: وقال به الحنابلة وغيرهم وهو أنه لم يرد في القراءة دليل، فتبقى على إطلاقها، ويكون الأفضل بحسب ما يختار المصلي.
والذي يظهر - والله أعلم -: أن الأمر في ذلك واسع.
****
المسألة التاسعة
متى يقال دعاء الاستخارة؟
اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن الدعاء يقال قبل السلام، واستدلوا بما يلي:
١ - سياق الحديث، فإنه ذكر صلاة الركعتين ثم قال: «ثم ليقل» وهذه الصيغة في الأحاديث تدل على اتصال بين الدعاء والصلاة.
٢ - أن ما قبل السلام موطن من مواطن الدعاء، كما دل عليه حديث ابن مسعود ﵁ وفيه: «ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو» (١).
القول الثاني: أن الدعاء يقال بعد السلام، واستدل بما يلي:
- قوله ﷺ: «فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل» فهذا الصيغة تفيد التراخي، فدل على أن الدعاء بعد السلام، بدلالة حرف التراخي (ثم).
القول الثالث: أن الأمر في ذلك واسع، ورجحه ابن تيمية (٢).
_________
(١) متفق عليه: أخرجه البخاري (٨٣٥)، ومسلم (٩٢٧).
(٢) الفتاوى (٢/ ٢٦٥).
1 / 24
والراجح - والله أعلم -:
أن الأمر في ذلك واسع لاحتمال الدليل، فالأمران متجهان، وإن كان الأولى أن يكون قبل السلام؛ لعموم الأحاديث الدالة على أن ما قبل السلام موطن من مواطن الدعاء.
****
المسألة العاشرة
ما يفعله من لم يحفظ دعاء الاستخارة
لا يخلو ذلك من حالتين:
الحالة الأولى: أن يكون ممن يعرف القراءة:
وفي هذه الحالة لا بأس له بقراءة الدعاء من ورقة أو كتاب، وتكون الحركة التي سيفعلها مغتفرة؛ لأنها لأجل مصلحة الصلاة، ومعلوم أن الحركة إن كانت لأجل الصلاة فلا حرج فيها، وعلى ذلك أدلة كثيرة.
الحالة الثانية: أن يكون ممن لا يعرف القراءة:
فلا بأس بأي دعاء يؤدي معنى الاستخارة، كأن يقول: اللهم خر لي، وغير ذلك.
****
المسألة الحادية عشرة
هل يستحب البدء في الدعاء بالحمد لله، والصلاة على النبي ﷺ -؟
استحب ذلك النووي (١)، ولعله يستند إلى عمومات الأحاديث الأخرى التي فيها الأمر بالحمد والصلاة على النبي ﷺ.
ولا شك أن الأفضل أن يقتصر على ما ورد عن النبي ﷺ ولا يزد على ذلك، وعمومات أدلة الدعاء يقدم عليها ما ورد في صلاة الاستخارة على وجه الخصوص.
****
_________
(١) الأذكار ١٧٩.
1 / 25