Наше пробуждение, да проклянет его Аллах
صحوتنا لا بارك الله فيها
Жанры
إن عبارة «والله أعلم» المشيخية لا تبدو تعبيرا عن تواضع ذات الشيخ العالم، بقدر ما هي تسليم بأن الحقيقة شيء مخفي لا يعلمه إلا الله؛ ولأن الله هو من أخفاها فهو وحده من يعرفها، هي دعوة صريحة لعدم البحث أو المعرفة أو العلم استسلاما للمشايخ. هذا بينما لم تنتقل أوروبا إلى النهضة إلا عندما كسرت قاعدة «والله أعلم»، واعتبرت الحقيقة والمعرفة مشاعا موضوعيا لمن يبتغيها ويبحث عنها، وقالت : أنا أبحث ... إذن أنا أعلم. وإن الله قد رضي عن علمهم هذا فكشف لهم عن كنوز علمه.
بحث علماء الغرب فاكتشفوا أن سبب الإصابة بالمرض ليس المس الشيطاني ولا الغضب الإلهي، إنما هي كائنات محايدة لا علاقة لها بغضب أو رضا تعمل على أي جسم حي مناسب لحضانتها لتستكمل دورة حياتها، من ميكروبات وفيروسات وجراثيم. بحث الأوروبي فاكتشف أن عمر الكون مليارات السنين وليس 4000 سنة كما يقرر كتابه المقدس، فعلم وتأكد أن كتابه المقدس يقدم له كتالوجا مزيفا؛ لأن ماكينة الكون الموجودة تحت حواسنا وآلات رصدنا تقول شيئا غير ما يقول الكتالوج المقدس؛ لهذا قررت أوروبا أن تنحاز للعلم، وأحالت الكتالوج المزيف إلى دار المحفوظات الأثرية، بينما المسلمون حتى اليوم يقبلون كتالوجات مزيفة، من كتالوجات الصحاح، إلى كتالوج الشعراوي، إلى كتالوج قرضاوي، إلى كتالوج سليم العوا، إلى كتالوج فهمي هويدي ... وهلم جرا؛ فهم أكثر من الهم على القلب.
وإذا كان الدعاة يرون أن لديهم كل الحلول الربانية الجاهزة كأكمل الحلول وأكثرها نجاعة لكل شأن في الحياة، فلماذا نحن دون الأمم قبيلة الله المتخلفة التي اختارها رب السماء خيرا للأمم؟!
لقد كانت حلولنا مع إسلامنا مطروحة في سوق العالم عبر التاريخ، ومع ذلك فإن العالم الغربي عندما اختار لنهضته، لم يختر الإسلام، إنما اختار فلسفة اليونان وديمقراطيتها وفنونها، واختار قوانين الروم ودساتيرهم وفنونهم، ورجع لأوزيريس في مصر القديمة وعشتار في العراق القديم وأدونيس في الشام القديم كأفكار إنسانية. كل المعارف والفلسفات كانت مطروحة في سوق العالم للمفاضلة والاختيار، ومن بينها كان الإسلام الذي يتميز عنها جميعا بكونه رباني المصدر، بل إنه يجب كل ما قبله، لكن عند الاختيار العالمي لم يختره أحد، واختار الجميع غيره، فهل قصر دعاتنا في تبليغ العالم بدعوة الإسلام واكتفوا بالجلوس بيننا يدعوننا نحن إلى الإسلام بعدما أسلمنا بألف وأربعمائة عام؟
كذلك تقوم لغة العلم كله، طبيعيا كان أم إنسانيا، فلسفة أم سياسة أم اقتصادا أم قانونا، على التراث اليوناني والروماني وليس فيه من الإسلام شيء. واختار العالم الذي تقدم قيم الوثنيين وترك القيم الربانية! لماذا يا ترى؟ ولماذا أصبحنا بين بلاد العالم من يحتاج إلى إصلاح باعتراف الجميع؟ لماذا تخرج المظاهرات في بلادنا تطالب بالديمقراطية وحقوق الإنسان، ولا تخرج في أوروبا وأمريكا مظاهرات تطالب بالشورى وبالجهاد وتعدد الزوجات؟ أليس ذلك بعلامة بليغة على تقصير الدعاة، رغم ما حازوه من ثقة شعوبهم وتسليمهم لهم، مع ما حازوه من نجومية وأبهة اجتماعية ومنازل سلطوية ورفاه وسعادة، أدناها منزلة لهط الثريد المعمر بالسمن البلدي لهطا، وهو كله ما وفره لهم بسطاء المسلمين الفقراء مخصوما من دخولهم المتواضعة، كي يتمكن الدعاة من نشر دين المسلمين وحمايته؟
ما بين عامي 1919م و1952م تشكلت في مصر نواة لطبقة برجوازية أفرزت ليبرالية وليدة، وفي ذلك الزمان تراجع دور الشيخ تراجعا كبيرا، بل ومهينا، وكان الشيخ هو محل عمل كثير من ألوان الكاريكاتير في المسرح والسينما والصحف، كان توجيه السؤال الاستنكاري لأي محاور: «هوه أنت فقي» يعتبر إهانة شديدة؛ فهو استنكار تصغيري يشير إلى العقلية الحافظة علة الجمود والببغائية، هو أيضا سخرية مرة من العاملين بشئون الدين على العباد، صاحبها وعي شعبي واسع بدور رجل الدين في التخلف أمام دنيا متسارعة. في ذلك الزمان كان الأزهر هو المكان الوحيد الذي يكفل لطلابه مع العلم الديني كل سبل المعيشة من إقامة وجراية طعام وكسوة، جلبا لزبائن حال الفقر بينهم وبين التعليم المدني، فكان على المستوى الطبقي ملجأ عاما للمعوزين والمعدمين وبخاصة ذوو العاهات منهم. حتى جاءت ثورة غفر يوليو 1952م (المباركة) لتقيم شرعيتها على التحالف مع الأزهر، وإعلاء شأنه حتى يكون مصدرا محترما لشرعية حكمها. وانتهى المشروع القومي بهزائم منكرة انتهت بقيام الصحوة الإسلامية (المباركة بدورها) على أنقاض المشروع القومي (المبارك) المهزوم. ومع الصحوة عاد الشيخ إلى الصدارة بقوة أعطته مساحة تسلط على العباد لم يسبق أن حازها من قبل خلال تاريخه، وهو الأمر الذي ساعدت عليه تقنيات الإعلام الحديثة من صحف وتلفاز ومذياع، وهو ما كان في بلادنا من حق الحكومة وحدها تصوغه كيفما تشاء، لكنها - لحسابات سلطوية بحت ، وبقصد قطع شعوبنا عن الحداثة ومبادئها الحقوقية - بدلا من أن تصوغه، تركته لحلفائها من مشايخ سداحا مداحا، مما انتهى إلى ضياع عقل الوطن، بينما أصبح الدين أسهل مطية لكل من يريد أن يركبنا، ويعمل علينا شيخ. ودون أن نفكر أن هذا الدين هو من عند الله وأنه يستحق منا احتراما يليق به.
وكان للظرف الموضوعي دوره الفصيح في نشوء طبقة رجال دين في الإسلام منذ فجره، عندما اعتمد المسلمون على حفظ القرآن كنتيجة طبيعية لانتشار الأمية، إضافة إلى صعوبة قراءة القرآن المبكر لعدم تنقيط الأحرف ولا تشكيلها بعلامات مميزة، مما جعل مثل هذه القراءة بدون شيخ معلم وملقن ومرشد تكاد تكون غير ممكنة بالمرة، ومن ثم ظهرت طبقة القراء التي أسست من بعد لطبقة رجال الدين التي احتكرت الفهم والتفسير بحكم الأستاذية. وإبان الصراع السياسي في الفتنة الكبرى وما تلاها من فتن، أمكن لهؤلاء اكتساب القداسة بمبدأ كان مرفوضا زمن الدعوة وزمن الخلافة الراشدة وهو تدوين السنة، مع اختراع الأحاديث حسب الطلب وبالقياسات المرغوبة، أصبح لهم مهمة مقدسة إضافية هي تفسير القرآن بالحديث. ومنذ شرع الخليفة عمر ضرب عنق من يختلف مع الستة المرشحين للخلافة من بعده، أمكن بالقياس أن يصبح هذا الجزاء بجز العنق من عرشه، من نصيب من يدلي برأي غير ما يقول به أهل الدين.
وخلال الفترة القريبة من متغيرات نصف قرن أو يزيد قليلا، أثبت المشايخ على طول الخط أنهم لا منشغلين بالناس ولا حتى بالدين، إنما كانوا مع مصالحهم وحلفهم السلطاني، وهو الحلف الذي تدنى بهم إلى حد استخدام الدين بانتهازية ورخص وابتذال، لتبرير كل المتناقضات للسلطان، كي تدوم إنعاماته ورضاه على أهل حظوته من مشايخ. عندما كانت مصر ملكية كانوا يهتفون والإخوان أمامهم «الله مع الملك»، وعندما دارت الأيام وجاء الزمن الناصري اكتشفوا أن الإسلام هو الذي أسس للاشتراكية، وخوطب النبي محمد «الاشتراكيون أنت إمامهم»، وفي الزمن الساداتي اكتشفوا أنهم كانوا مخطئين في فهم الدين خطأ فادحا وقالوا فيه ما هو على النقيض الكامل من مقاصده؛ لأنه دين اقتصاد سوقي مفتوح حر، دين جعل الناس درجات وطبقات. كذلك كان موقفهم عندما كان السلطان يريد حربا، وكيف أن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله كأنهم بنيان مرصوص. ومع توقيع كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل عادوا فاكتشفوا بالرسوخ في العلم أن رسوخهم الأول كان باطلا؛ لأن الله قد أمرنا أمرا واضحا أن نجنح للسلم إن هم جنحوا لها.
وهكذا يكتشف المسلم أن منظومته المقدسة المطهرة ذات المصدر الإلهي الرفيع والشريف شرف مصدرها، هي الأشد تعرضا للانتهازية والاستغلال من مشايخ يعلنون أنهم أهل هذا المقدس وحماته، وأنهم بدلا من أن يصونوا دين الله بإبعاده عن العبث والخطأ والطمع البشري، إذ بهم هم من يضيفون إلى شرع الله ما ليس فيه، ثم يكتشفون خطأ إضافتهم في كل مرة، ليعودوا يصوبون ويضيفون المزيد. إن مثل هذا التدخل في المقدس هو تدنيس له، ويشير إلى أن مشايخنا يشتهون النبوة، أو بعضها.
ومع حضور فوضى الصحوة الإسلامية التبست المعارضة بالتشدد الذي لم يقف عند حد معاداة السلطة أو المشايخ الرسميين، بل تجاوزه إلى معاداة المواطنين والمجتمع كله. ولم يكن مشايخ المعارضة الإسلامية المسلحة أوفر حظا بالمبادئ والقيم المحترمة من مشايخ السلطان، فقتلونا، وحاكمونا، وكفرونا، وهددونا، ومزقوا الوطن، ودمروا السياحة بوحشية فضحتنا أمام العالم. وقد فعلوا ما فعلوا بدورهم بادعاء الرسوخ في العلم ومعرفتهم وحدهم بالمعاني الصحيحة للوحي الإسلامي، ليعودوا هم أنفسهم وليس غيرهم، ليكتشفوا أن رسوخهم الأول كان باطلا، وأنهم قد اكتشفوا رسوخا جديدا، ليكتبوا سلسلة المراجعات التصحيحية التي تحولوا فيها عن العمل المسلح إلى خوض العمل السياسي السلمي؛ ليوضحوا أن رسوخهم الثاني قد نسخ رسوخهم الأول بأمر الله؟! ألا ترونهم ...؟ إنهم ينسخون! إنهم يقلدون السماء، إنهم لا يشتهون النبوة فقط، إنما هم يشتهون الربوبية!
Неизвестная страница