قال رئيس الكهنة ممسكا بكلتا يديه في غضب: بماذا أخبرك؟ - هل أكرر ما قلت؟ - نعم. - حسنا، إن «إيزيديميلي» يريد معرفة ما تنوي عمله إزاء الكراهية التي تسبب فيها ابنك. - أخبر «إيزيديميلي» عند عودتك أن يأكل الخراء .. هل تسمعني؟ أخبره أن «إيزولو» سيذهب ويملأ فمه بالخراء .. أما أنت أيها الشاب فاذهب في سلام؛ لأن العالم لم يعد كما كان وإلا كنت قد فعلت بك ما يذكرك دائما باليوم الذي وضعت فيه رأسك في فم النمر.
أراد الشاب أن يقول شيئا، لكن «إيزولو» استطرد قائلا: اسمع نصيحتي، ولا تقل شيئا آخر.
نهض «إيزولو» مهددا، وسارع الشاب بالمغادرة.
الفصل الخامس
نظر الكابتن «وينتربوتوم» إلى المذكرة التي أمامه بتركيز وانفعال ونوع من الازدراء .. كانت المذكرة قد انتقلت إليه من الحاكم عبر المندوب السامي، ثم ضابط المقاطعة الكبير، اللذين أضافا على المذكرة تعليقهما الخاص .. غضب الكابتن «وينتربوتوم» مما أضافه ضابط المقاطعة لما رآه من توبيخ، في محاولة لإعاقته، فقال بينه وبين نفسه: لو أن شخصا آخر فعل ذلك لما غضبت؛ لأنني متقدم على «واثينسون»، كما أنني أكبر منه بثلاث سنوات.
كثيرا ما قال «وينتربوتوم» لنفسه ولمساعديه: إن أي أحمق يستطيع أن يكون متقدما دون عمل أي شيء، وإنما بالمحاولة فقط، أما نحن المشغولين بأعمالنا فلا نملك وقتا للمحاولة.
أشعل غليونه وبدأ يسير في مكتبه الفسيح، الذي صممه بنفسه كي يتخلله الهواء، وبينما يواصل سيره جيئة وذهابا كعادته سمع لأول مرة غناء المساجين .. كانوا يقطعون العشب، وكم هو مدهش نمو العشب هكذا طويلا رغم عدم سقوط الأمطار إلا مرتين متتاليتين! .. توجه صوب النافذة وظل ينظر إلى المساجين فترة قصيرة، كان أحدهم يضرب بشيء يشبه قطعة الحجر في إناء فارغ ويغني منفردا بينما يقوم الآخرون بدور الكورس ويلوحون بأسلحتهم .. انتزع كابتن «وينتربوتوم» غليونه من فمه، ووضعه فوق عتبة النافذة، ثم وضع كلتا يديه فوق فمه، وصاح قائلا: سكوت، اخرسوا.
نظروا جميعا إلى أعلى وعرفوا من هو الصائح، ثم توقفوا عن الغناء .. كان الحارس واقفا بالقرب من ظلال شجرة المانجو، ففكر في أخذ رجاله إلى مكان آخر حيث لا يمكن إزعاج الضابط، ثم جمعهم في طابور، وأشار لهم بالتوجه إلى مكان آخر، كانوا يرتدون سترات بيضاء مصنوعة من قماش البافتا وقبعات كالجمجمة، فبدوا جميعا متشابهين .. اثنان منهم كانا يحملان القوارير فوق الرءوس، والمغني يمسك بإنائه والحجر الذي يضرب به، وسرعان ما بدءوا في الغناء من جديد فور وصولهم إلى المكان الجديد: «أنا أقطع العشب .. أنت تقطع العشب،
كلانا يقطع العشب،
فما هو حقك إذن في إهانتي؟»
Неизвестная страница