مقدمات
مقدمة: أحمد بن فارس
...
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة: أحمد بن فارس ١
نشأته:
هو أبو الحسينِ أحمدُ بنُ فارِسَ بن زكريا بن محمد بن حبيب الرازي. ولد بقزوين٢ ونشأ بهمذان، ودرس بها وعليه اشتغل بديع الزمان الهمذاني صاحب المقامات، ثم دعاه فخر الدولة البويهي إلى الري ليؤدب ابنه مجد الدولة أبا طالب، فأقام بها قاطنًا، وممن تتلمذ عليه فيها الصاحب بن عباد، أما أساتذته وشيوخه الذين أخذ عنهم فكثيرون ومنهم أبو بكر أحمد بن الحسن الخطيب راوية ثعلب، وأبو الحسن عليُّ بنُ إبراهيم القَطَّان، وأبو عبد الله أحمد بن طاهر المنجم، وعلي بن عبد العزيز المكي، وأبو عبيد، وأبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني. أما علومه فكانت متنوعة شاملة ولا سيما اللغة التي أتقنها وأكثر من التأليف في فروعها المختلفة، وقد أحسن صنعة الشعر، وكان فقيهًا شافعيًّا ويناصر مذهب مالك بن أنس. أما طريقته في النحو فطريقة الكوفيين.
وكان ابن فارس جوادًا كريمًا لا يكاد يرد سائلا، حتى إنه كان يهب ثياب جسمه وفرش بيته.
_________
١ ترجمته في: إنباه الرواة: ١/ ٢٩، نزهة الألباء: ٢١٩، دمية القصر: ٢٥٧، يتيمة الدهر: ٣/ ٤٠٢، معجم الأدباء: ١/ ٥٣٣، وفيات الأعيان: ١/ ١١٨، بغية الوعاة: ١/ ٣٥٢، تاريخ الأدب العربي بروكلمان: ٢/ ٢٦٥، الأعلام: ١/ ١٩٣.
٢ تاريخ الأدب العربي بروكلمان: ٢/ ٢٦٥.
1 / 5
توفي ابن فارس في الري سنة ٣٩٥هـ/ ١٠٠٥م، وقيل سنة ٣٩٦هـ، أو ٣٩٠هـ، أو ٣٩٦هـ، أو ٣٦٠هـ، وقد وجد ياقوت الحموي خط ابن فارس على كتاب الفصيح وقد كتبه سنة ٣٩١هـ١.
مؤلفاته:
إنها كثيرة، وتشمل اللغة والحديث والتفسير والأدب والفقه وقد أورد له ياقوت٢ طائفة من هذه التصانيف وهي على الشكل الآتي:
١- المجمل.
٢- متخير الألفاظ.
٣- فقه اللغة.
٤- غريب إعراب القرآن.
٥- تفسير أسماء النبي ﷺ.
٦- مقدمة كتاب دار العرب.
٧- حلية الفقهاء.
٨- كتاب العرق.
٩- مقدمة الفرائض.
١٠- ذخائر الكلمات.
١١- شرح رسالة الزهري إلى عبد الملك بن مروان.
١٢- كتاب الحجر.
١٣- سيرة النبي ﷺ.
١٤- الليل والنهار.
١٥- العم والخال.
١٦- أصول الفقه.
١٧- أخلاق النبي ﷺ.
_________
١ معجم الأدباء: ١/ ٥٣٥.
٢ معجم البلدان: ١/ ٥٣٦.
1 / 6
١٨- كتاب الصاحبي١.
١٩- جامع التأويل في تفسير القرآن.
٢٠- الثياب والحلى.
٢١- خلق الإنسان.
٢٢- الحماسة المحدثة.
٢٣- مقاييس اللغة.
٢٤- كفاية المتعلمين في اختلاف النحويين.
ولكن بروكلمان أورد طائفة من الكتب تختلف عما ذكره ياقوت في بعض الأسماء وتتفق مع بعضها الآخر ولعله من المفيد أن أذكر ما جاء في تاريخ بروكلمان بتمامه٢:
١- المجمل في اللغة.
٢- فقه اللغة المسمى بالصاحبي.
٣- كتاب الثلاثة في الألفاظ المترادفة.
٤- ذم الخطأ في الشعر.
٥- نقد الشعر.
٦- مختصر سيرة رسول الله ﷺ.
٧- مقالة في أسماء أعضاء الإنسان.
٨- مقالة "كلا" وما جاء منه فِي كتاب الله تعالى.
٩- كتاب الفيروز.
١٠- كتاب اللامات.
١١- جزء من اليشكريات.
١٢- مقاييس اللغة.
١٣- الإتباع والمزاوجة.
١٤- قصص النهار وسحر الليل.
١٥- تمام فصيح الكلام.
_________
١ هو كتاب فِي فقه اللغةِ، وقد قدمه ابن فارس إلى الصاحب بن عباد، وهو الكتاب الذي نقدمه.
٢ تاريخ الأدب العربي ٢/ ٢٦٥، وزاد السيوطي في بغية الوعاة كتابًا هو: الانتصار لثعلب.
1 / 7
١٦- كتاب المسائل أو فتيا فقه العرب.
١٧- رسالة أبي عمرو محمد بن سعيد الخطيب.
ومما تجدر الإشارة إليه أن ابن فارس كان يجيد نظم الشعر، ومن شعره١:
إذا كنت في حاجة مرسلا ... وأنت بها كلف مغرم
فأرسل حكيما ولا توصه ... وذاك الحكيم هو الدراهم
ومن شعره:
وقالوا كيف أنت فقلت خير ... تقضى حاجة ويفوت حاج
إذا ازدحمت هموم القلب قلنا ... عسى يومًا يكون لها انفراج
ومما قال في همذان:
سقى همذان الغيث لست بقائل ... سوى ذا وفي الأحشاء نار تضرم
ما لي لا أصفي الدعاء لبلدة ... أفدت بها نسيان ما كنت أعلم
نسيت الذي أحسنته غير أنني ... مدين وما في جوف بيتي درهم
ومن شعره:
اسمع مقالة ناصح ... جمع النصيحة والمقه
إياك واحذر أن تبيـ ... ـت من الثقات على ثقه
وقال قبل وفاته بيومين:
يَا ربّ إن ذنوبي قد أحطت بها ... علمًا وبي وبإعلاني وإسراري
أنا الموحد لكني المقر بها ... فهب ذنوبي لتوحيدي وإقراري
كتابه "الصاحبي":
هو كتاب فِي فقه اللغةِ، وقد سماه بالصاحبي نسبة إلى الصاحب بن عباد، وكان ابن فارس قدم الكتاب إليه وأودعه خزانته. أما مضمون الكتاب فيدور حول اللغة العربية، وأوليتها ومنشئها، ثم يبحث في أساليب العرب في تخاطبهم، وفي الحقيقة والمجاز. وقد بدأ الكتاب بباب قرر فيه أن اللغة توقيف وليست اصطلاحا، ثم ذهب في الأبواب التالية يدرس الظواهر اللغوية دراسة فلسفية،
_________
١ معجم الأدباء: ١/ ٥٣٧.
1 / 8
فيبدأ بتفضيل العربية على ما سواها من اللغات، بعد ذلك مفصلا، مقارنًا بين اللغات مستشهدًا بالقرآن الكريم وبالشعر العربي، وبصور من كلام العرب، وينتقل بعد ذلك إلى دراسة المفردات اللغوية من حيث معانيها المختلفة وطرق استعمالها، وائتلافها واختلافها، فيفرق بين الاسمي منها والحرفي، ويبحث في أصول الأسماء، وما جرى مجراها من الصفات، كما يدرس الحروف المفردة من حيث المعاني ووجوه الاستعمال، والأفعال وأبنيتها إلى ما هناك من أبواب أخرى.
وللكتاب قيمة من حيث إنه أضاف إلى مكتبتنا العربية مصدرًا هامًّا من المصادر اللغوية، ولا يستغني عنه عام أو خاص، عالم أو متعلم، ومن هنا كانت عنايتنا بإعادة نشر هذا الكتاب، ولا سيما أنه كان قد نشر لأول مرة في القاهرة سنة ١٣٢٨هـ، وقد أعيد نشره بعد ذلك، ولكن ما وجدته في تلك النسخ كان يحتاج إلى الضبط والتحقيق، فقمت بضبط نصه، وتخريج آياته وأحاديثه، ونسبت الأقوال والأشعار إلى قائلها، ثم عرفت بالشعراء غير المعروفين، كما أنني فسرت ما رأيته ضروريًّا من غريب الألفاظ والأقوال، ولا أدعي فِي كلّ ذَلِكَ أنني بلغت الغاية، وحسبي أنني حاولت، والعذر إن كنت قد قصرت أو نسيت أو أخطأت.
والله من وراء القصد
أحمد حسن بسج
بيروت: ٢١ شعبان/ ١٤١٧هـ
الموافق ١/ ١/ ١٩٩٧م
1 / 9
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الكتاب:
الحمد لله وبه نستعين، وصلّى الله تعالى عَلَى محمد وآله.
قال الشيخُ أبو الحسينِ أحمدُ بنُ فارِسَ أدام الله تأييده:
هَذَا الكتاب "الصاحبي" فِي فقه اللغةِ العربيةِ وسننِ العربِ فِي كلامها. وإنَّما عَنْوَنْتُه بهذا الاسم لأنّي لما أَلَّفْتُه أَوْدعْتُه خزانةَ الصَّاحبِ١ الجليل كافي الكفاة، عَمَرَ اللهُ عِراص العلم والأدب والخير والعدل بطول عمره، تَجمُّلًا بذلك وتحسُّنًا، إذ كَانَ يقبَلَه كافي الكفاة من علم وأدب مَرضِيًّا مقبولًا، وَمَا يَرْذُلُه أَوْ يَنفيه منفيًّا مَرْذولًا، ولأنّ أحسنَ مَا فِي كتابنا هَذَا مأخوذٌ عنه ومُفاد منه. فأقول:
إِن لعلم العرب أصلًا وفرعًا: أمَّا الفرعُ فمعرفة الأسماء والصفات كقولنا: "رجل" و"فرس" و"طويل" و"قصير". وهذا هو الَّذِي يُبدأ بِهِ عند التعلُّم.
وأمَّا الأصلُ فالقولُ عَلَى موضوع اللغة وأوَّليتها ومنشأها، ثُمَّ عَلَى رسوم العرب فِي مخاطبتها، وَمَا لَهَا من الافْتِنان تحقيقًا ومجازًا.
والنّاسُ فِي ذَلِكَ رجلانِ: رجلٌ شُغل بالفرع فلا يَعْرِف غيرَه، وآخَرُ جَمع الأمريْنِ معًا، وهذه هي الرُّتبة العليا، لأن بِهَا يُعلم خطابُ القرآن والسُّنة، وعليها يُعول أهلُ النَّظر والفُتيا، وذلك أن طالبَ العلم العُلويُ يكتفي من سماء "الطويل" باسم الطويل، ولا يَضِيرُه أن لا يعرف "الأشَقَّ"٢ و"الأَمقَّ"٣ وإن كَانَ فِي علم ذَلِكَ زيادةُ فَضل.
وإنَّما لَمْ يَضِره خفاءُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، لأنَّه لا يَكاد يجدُ منه فِي كتاب الله جل ثناؤه
_________
١ هو الصاحب عباد وزير مؤيد الدولة أبي منصور بن بويه، وكانت له صحبة لأبي الفضل الوزير ابن العميد وأخذ عنه الأدب، توفي سنة ٣٨٥هـ/ ٩٩٥م.
٢ الأشق: من الخيل ما يشتق في عدوه يمينًا وشمالا، أو البعيد ما بين الفروج، والطويل.
٣ الأمق: من الخيل الطويل.
1 / 11
شيئًا فيُحْوَج إِلَى علمه؛ ويقل مثله أيضًا فِي ألفاظ رسول الله ﷺ إذ كَانَتْ ألفاظُه ﷺ هي السّهلة العَذْبَة.
ولو أنه لَمْ يَعْلم توسُّع العرب فِي مخاطباتها لَعَيَّ بكثير من علم مُحْكَم الكتاب والسنَّة، ألا تسمع قول الله جل ثناؤه: ﴿وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ ١ إِلَى آخر الآية؟ فسِرُّ هَذِهِ الآية في نَطْقها لا يكون بمعرفةٍ غريب اللغة والوَحْشيِّ من الكلام، وإنَّما معرفته بغير ذَلِكَ مما لعلَّ كتابنا هَذَا يأتي عَلَى أكثره بعون الله تعالى.
والفرق بَيْنَ معرفة الفروع ومعرفة الأصول أن مُتَوسِّمًا بالأدب لو سُئل عن "الجَزْم والتسويد"٢ فِي علاج النوق، فتوقف أَوْ عيَّ بِهِ أَوْ لَمْ يعرفه، لَمْ ينقصه ذَلِكَ عند أهل المعرفة نقصًا شائنًا، لأن كلام العرب أكثر من أن يُحصى.
ولو قيل لَهُ: هل تتكلم العربُ فِي النّفي بما لا تتكلم بِهِ فِي الإثبات، ثُمَّ لَمْ يعلمه لنَقْصه ذَلِكَ فِي شريعة الأدب عند أهل الأدب، لا أنَّ ذَلِكَ يُرْدد دينه أَوْ يَجُرُّه لمأثم.
كما أن مُتوسِّمًا للنَّحو لو سُئل عن قول القائل:
لَهِنّكِ من عبْسية لوسيمة ... عَلَى هَنَوات كاذبٌ من يقولُها٣
فتوقَّف أَوْ فكَّر أَوْ استمْهل، لكان أمرُهُ فِي ذَلِكَ عند أهل الفضل هَيِّنًا، لكن لو قيل لَهُ مكان "لَهِنَّكِ" مَا أصل القَسم، وكم حروفه، وَمَا الحروفُ الخمسة المشبَّهة بالأفعال الَّتِي يكون الاسم بعدها منصوبًا وخبرُهُ مرفوعًا؟ فلم يُجب لَحَكِم عَلَيْهِ بأنَّه لَمْ يُشامَّ٤ صِناعةَ النحو قط. فهذا الفصلُ بَيْنَ الأمرين.
والذي جمعناه فِي مؤلَّفنا هَذَا مفرَّق فِي أصناف العلماء المتقدمين ﵃ وجزاهم عنا أفضل الجزاء. وإنَّما لَنَا فِيهِ اختصارُ مبسوط أَوْ بسطُ مختصرٍ أَوْ شرحُ مشْكلٍ أَوْ جمعُ متفرقٍ.
فأوَّل ذلك:
_________
١ سورة الأنعام: ٥٢.
٢ التسويد: دق المسح البالي ليداوى به أدبار الإبل والجزم: ما يحشى به حياء الناقة.
٣ البيت في لسان العرب، مادة "هنا" دون نسبة. والهنوات: جمع الهنات وهي الداهية.
٤ يشام: من الشم، وقولك: تشاما: شم أحدهما الآخر، وأشم الحروف: أذاقها الضمة أو الكسرة. وأراد أنه لَمْ يعرف صناعة النحو.
1 / 12
باب القول على لغة العرب: أتوقيف، أم اصطلاح؟
أقول: إِن لغة العرب توقيف. ودليل ذَلِكَ قوله جلّ ثناؤه: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا﴾ ١ فكان ابن عبّاس يقول: علّمه الأسماء كلّها وهي هَذِهِ الَّتِي يتعارَفُها الناس من: دابة، وأرض، وسهل، وجبل، وحمار، وأشباه ذَلِكَ من الأمم وغيرها.
وروى خُصَيْف عن مُجاهد قال: علمه اسم كلّ شيء.
وقال غيرهما: إنما علَّمه أسماء الملائكة.
وقال آخرون: علّمه ذرّيته أجمعين.
والذي نذهب إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ مَا ذكرناه عن ابن عباس. فإن قال قائل: لَوْ كَانَ ذَلِكَ كما تذهب إِلَيْهِ لقال: "ثُمَّ عرضهن أَوْ عرضها" فلما قال "عرضهم" عُلم أن ذَلِكَ لأعيان بني آدمَ أَوْ الملائكة، لأن موضوع الكناية فِي كلام العرب يُقال لما يَعقِل "عرضهم" ولما لا يعقل "عرضها أَوْ عرضهن" قيل لَهُ: إنما قال ذَلِكَ والله أعلم لأنه جَمع مَا يَعقل وَمَا لا يعقل فغلَّب مَا يعقل، وهي سنّة من سنن العرب، أعني باب التغليب. وذلك كقوله جل ثناؤه: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ﴾ ٢ فقال: ﴿مِنْهُمْ﴾ تغليبًا لمن يمشي عَلَى رجلين وهم بنو آدم.
فإن قال: أفتقولون فِي قولنا: سيف، وحُسام، وعَضب٣ إِلَى غير ذَلِكَ من أوصافه أنه توقيف حَتَّى لا يكون شيء منه مُصْطَلَحًا عَلَيْهِ؟ قيل لَهُ: كذلك نقول
_________
١ سورة البقرة، الآية: ٣١.
٢ سورة النور، الآية: ٤٥.
٣ العضب: السيف القاطع.
1 / 13
والدليل عَلَى صِحَّة مَا نذهب إِلَيْهِ إجماعُ العلماء عَلَى احتجاج بلغة القوم فيما يختلفون فِيهِ أَوْ يتفقون عَلَيْهِ، ثُمَّ احتجاجهم بأشعارهم، ولو كَانَتْ اللغة مُواضَعَةً واصطلاحًا لَمْ يكن أولئك فِي الاحتجاج بهم بأولى منا فِي الاحتجاج لَوْ اصطلحنا عَلَى لغة اليوم ولا فرق.
ولعلَّ ظانًا يظن أن اللغة الَّتِي دلَلنا عَلَى أنها توقيف إنما جاءت جملة واحدة وَفِي زمان واحد. وَلَيْسَ الأمر كذا، بل وقّف الله جلَّ وعزَّ آدمَ ﵇ عَلَى مَا شاء أن يعلمه إياه مما احتاج إِلَى علمه فِي زمانه، وانتشر من ذَلِكَ مَا شاء الله، ثُمَّ علَّم بعد آدم ﵇ من عرَب الأنبياء صلوات الله عليهم نبيًا نبيًا مَا شاء أن يعلمه، حَتَّى انتهى الأمر إِلَى نبيّنا محمد ﷺ، فآتاه الله جلَّ وعزَّ من ذَلِكَ مَا لَمْ يؤته أحدًا قبله، تمامًا عَلَى مَا أحسنَه من اللغة المتقدمة. ثُمَّ قر الأمر قراره فلا نعلم لغة من بعده حدثت.
فإن تعمَّل١ اليوم لذلك متعمِّل وجد من نُقَّاد العلم من ينفيه ويُرده.
ولقد بلغنا عن أبي الأسود٢ أن أمرًا كلمه ببعض مَا أنكره أبو الأسود فسأله أبو الأسود عنه فقال: "هَذِهِ لغة لَمْ تبلغك" فقال لَهُ: "يَا ابن أخي لا خير لَكَ فيما لَمْ يبلغني" فعرَّفه بلطف أن الذي تكلم بِهِ مختلَق.
وخلةٌ٣ أخرى أنه لَمْ يبلغنا أن قومًا من العرب فِي زمانٍ يُقارب زمانَه أجمعوا عَلَى تسمية شيء من الأشياء مصطلِحِين عَلَيْهِ، فكنا نَستدِل بذلك عَلَى اصطلاح كَانَ قبلهم.
وقد كَانَ فِي الصحابة رضي الله تعالى عنهم -وهم البُلغاء والفُصحاء- النظر فِي العلوم الشريفة مَا لا خفاء بِهِ. وَمَا علِمناهم اصطلحوا عَلَى اختراع لغةٍ أَوْ إحداث لفظةٍ لَمْ تتقدمهم.
_________
١ تعمل: أي تكلف العمل.
٢ هو أبو الأسود الدؤلي، أول من اشتغل بعلم النحو بأمر من الإمام عليَّ ﵁، مات سنة ١٠هـ.
٣ الخلة: الثقبة الصغيرة.
1 / 14
باب القول عَلَى الخط العربي وأول من كتب بِهِ:
يُروى أن أول من كتب الكتاب العربيَّ والسّريانيّ والكُتُب كلها آدم ﵇، قبل موته بثلاثمائة سنة، كتبها فِي طين وطبخه. فلما أصاب الأرضَ الغرق وجد كلُّ قوم كتابًا فكتبوه، فأصاب إسماعيلُ ﵇ الكتابَ العربيّ.
وكان ابنُ عباس يقول: "أوّلُ من وضع الكتاب العربيّ إسماعِيلُ ﵇، وضعه عَلَى لفظه ومَنْطِقه".
والرواياتُ فِي هَذَا الباب تكثر وتختلف.
والذي نقوله فِيهِ: إن الخطّ توقيف، وذلك لِظاهِر قوله ﷿: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ ١ وقال جلَّ ثناؤه: ﴿وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ ٢ وإذا كَانَ كذا فليس ببعيد أن يوَقِّفَ آدمَ ﵇ أن غيرَه من الأنبياء ﵈ عَلَى الكتاب.
فأما أن يكون مُخْتَرَع اخترعه من تِلْقاءِ نفسه، فشيءٌ لا تَعْلم صِحته إِلاَّ من خبر صحيح.
وزعم قوم أن العرب العاربة٣ لَمْ تعرف هَذِهِ الحروف بأسمائها، وأنهم لَمْ يعرفوا نحوًا ولا إعرابًا ولا رفعًا ولا نصبًا ولا همزًا. قالوا والدليل عَلَى ذَلِكَ مَا حكاه بعضهم عن بعض الأعراب أنه قيل لَهُ: أتهمز إسرائيل؟ فقال: "إني إذن لَرَجُل سوء! " قالوا: وإنّما قال ذَلِكَ لأنه لَمْ يعرف من الهمز إِلاَّ الضغط والعصر. وقيل لآخر: أتجرُّ فلسطين؟ فقال: "إني إذن لقويٌّ! ". قالوا: وسُمع بعض فصحاء العرب يُنشد:
نحن بني عَلْقمةَ الأخيارا
_________
١ سورة العلق: الآية ١-٥.
٢ سورة القلم، الآية: ١.
٣ العرب العاربة: العرب الصرحاء.
1 / 15
فقيل لَهُ: لم نصبت "بني"؟ فقال: مَا نصبته، وذلك أنه لَمْ يعرف من النّصب إِلاَّ إِسناد الشيء. قالوا: وحكى الأخفش١ عن أعرابي فصيح أنه سُئل أن يُنشد قصيدة عَلَى الدال فقال: وَمَا الدال؟ وحكي أن أبا حيّة النُّميري٢ سُئل أن يُنشد قصيدة عَلَى الكاف فقال٣:
كفى بالنَّأي من أسماء كافِ ... وَلَيْسَ لِسُقمها إِذ طال شافِ
قلنا: والأمر فِي هَذَا بخلاف مَا ذهب إِلَيْهِ هؤلاء ومذهبنا فِيهِ التوقيف فنقول: إن أسماء هَذِهِ الحروف داخلة فِي الأسماء الَّتِي أعلم الله جلَّ ثناؤه أنه علَّمها آدم ﵇، وَقَدْ قال جل وعزَّ: ﴿عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾ ٤، فهل يكون أوّلُ البيان إِلاَّ علم الحروف الَّتِي يقع بِهَا البيان؟ ولِمَ لا يكون الذي علَّم آدم ﵇ الأسماء كلّها هو الَّذِي علّمه الألِفَ والباء والجيم والدال؟ فأما من حُكي عنه من الأعراب، الَّذِين لَمْ يعرفوا الهمز والجرّ والكاف والدال، فإنَّا لَمْ نزعم أن العرب كلها مدرًا ووبرًا قَدْ عرفوا الكتابة كلها والحروف أجمعها، وَمَا العربُ فِي قديم الزمان إِلاَّ كنحن اليومَ: فما كلٌّ يعرف الكتابة والخطّ والقراءة، وأبو حيّة كَانَ أمس؛ وَقَدْ كَانَ قبله بالزمن الأطول من يعرف الكتابة ويخطّ ويقرأ، وَكَانَ فِي أصحاب رسول الله -صلى الله عليه سلم- كاتبون منهم أمير المؤمنين عليٌّ صلوات الله تعالى عَلَيْهِ وعثمان وزيد وغيرهم.
فحدثني أبو الحسن عليُّ بنُ إبراهيم القَطَّان، قال أخبرنا عليّ بن عبد العزيز عن أبي عبيد قال: حدثنا ابن مَهْدِيّ، عن ابن المبارك قال حدثني أبو واثل شيخٌ من أهل اليمن عن هانئ قال: كنت عند عثمان رضي الله تعالى عنه، وهم يعرضون المصاحف، فأرسلني بكتِف شاه إِلَى أبي بن كعب فِيهَا "لَمْ يتسنَّ" و"فأمهل الكافرين" و"لا تبديل للخلق" قال فدعا بالدّواة فمحا إحدى اللامين وكتب ﴿لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ ٥
_________
١ هو أبو الحسن بن سعد المجاشعي بالولاء، النحوي الأديب، البلخي البصري، مات سنة ٢١٥.
٢ هو الهيثم بن الربيع بن زرارة من بني نمير بن عامر، من شعراء البصرة، مات سنة ١٨٣هـ.
٣ البيت لبشر بن أبي خازم، وهو شاعر جاهلي، انظر ديوانه: ١٠٣، وفيه: وليس لحبها.
٤ سورة الرحمن: آية ٤.
٥ سورة الروم: الآية: ٣٠، وتمامها: ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ .
1 / 16
ومحا "فأمهل" وكتب ﴿فَمَهِّلْ﴾ ١ وكتب ﴿لَمْ يَتَسَنَّهْ﴾ ٢ ألحقَ فِيهَا هاءً. أفيكون جهلُ أبي حيّة بالكتابة حُجةً عَلَى هؤلاء الأئمة؟
والذي نقوله فِي الحروف هو قولنا فِي الإعراب والعروض. والدليل عَلَى صِحة هَذَا وأن القوم قَدْ تداوَلوا الإعراب أنا نستقرئ قصيدة الحُطَيْئة٣ الَّتِي أوّلها:
شاقَتْكَ أظعانٌ لِلَيلَى ... دون ناظرة بواكر٤
فَنَجِدُ قوافيها كلَّها عند الترنُّم والإعراب تجيء مرفوعة، ولولا علمُ الحطيئة بذلك لأشبهَ أن يختلف إعرابُها، لأن تساويها فِي حركة واحدة اتفاقًا من غير قصد لا يكاد يكون.
فإن قال قائل: فقد تواترت الرّوايات بأن أبا الأسود٥ أولُ من وضع العربية، وأن الخليل٦ أول من تكلم فِي العروض. قيل لَهُ: نحن لا ننكر ذَلِكَ، بل نقول إن هذين العِلْمَين قَدْ كانا قديمًا وأتت عليهما الأيام، وقلاّ فِي أيدي الناس، ثُمَّ جددهما هذان الإمامان، وَقَدْ تقدم دليلنا فِي معنى الإعراب.
وأما العروض فمن الدليل عَلَى أنه كَانَ متعارفًا معلومًا اتفاقُ أهل العلم عَلَى أن المشركين لما سمعوا القرآن قالوا أَوْ من قال منهم: "إنه شعر" فقال الوليدُ بنُ المغيرة منكرًا عليهم "لقد عرضتُ مَا يقرؤه محمد عَلَى أقراء الشعر٨: هزجه ورجزه، وكذا وكذا، فلم أرَه يشبه شيئًا من ذلك" أفيقول الوليدُ هَذَا، وهو لا
_________
١ سورة الطارق، الآية: ١٧، وتمامها: ﴿فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا﴾ .
٢ سورة البقرة، الآية: ٢٥٩، وتمامها: ﴿فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ﴾ .
٣ هو جرول بن أوس شاعر مخضرم، كان هجاء، مات سنة ٥٩هـ.
٤ ديوان الحطيئة: ٣١ وفيه: يوم ناظرة.
٥ هو أبو الأسود الدؤلي المتوفى سنة ١٠هـ.
٦ هو الخليل بن أحمد الفراهيدي، عالم في اللغة، والنحو، وواضع علم العروض، مات سنة ١٦٢هـ.
٧ هو الوليد بن عبد الله بن عمرو، من زعماء قريش وأجوادها في الجاهلية، أدرك الإسلام ولم يسلم، مات سنة ١هـ.
٨ أقراء الشعر: قوافيه، والواحد: قرء.
1 / 17
يعرف بحور الشعر؟
وَقَدْ زعم ناس أنّ علومًا كَانَتْ فِي القرون الأوائل والزمن المتقادم، وأنها دَرسَت وجُدّدت منذ زمان قريب، وترجمت وأصلحت منقولة من لغة إِلَى لغة. وليس مَا قالوا ببعيد، وإن كَانَتْ تِلْكَ العلوم بحمد الله وحسن توفيقه مرفوضة عندنا.
فإن قال: فقد سمعناكم تقولون: إن العرب فعلت كذا وَلَمْ تفعل كذا، مِن أنها لا تجمع بَيْنَ ساكنين، ولا تبتدئ بساكن، ولا تقف عَلَى متحرك، وأنها تسمي الشخص الواحد الأسماء الكثيرة، وتجمع الأشياء الكثيرة تَحْتَ الاسم الواحد، قلنا: نحن نقول إن العرب تفعل كذا بعدما وطأناه أن ذَلِكَ توقيف حَتَّى ينتهي الأمر إِلَى الموقّف الأول.
ومن الدليل عَلَى عرفان القدماء من الصحابة وغيرهم بالعربية كتابتهم المصحف عَلَى الَّذِي يعلله النحويُّون فِي ذوات الواو والياء والهمز والمدّ والقصر فكتبوا ذوات الياء بالياء وذوات الواو بالواو وَلَمْ يصوّروا الهمزة إذَا كَانَ مَا قبلها ساكنًا فِي مثل "الخبء" و"الدفء" و"الملء" فصار ذَلِكَ كلّه حجة، وحتى كَرِهَ من العلماء تركَ اتباع المصحف من كَرِهَ.
فحدثني عبد الرحمن بن حمدان عن محمد بن الجهم السّمرَّيّ عن الفرَّاء١ قال: "اتباعُ المصحف -إذَا وجدت لَهُ وجهًا من كلام العرب- وقراءةُ القراء أحبّ إليَّ من خلافه" قال: وَقَدْ كَانَ أبو عمرو بن العلاء٢ يقرأ: "إِنْ هَذَينِ لَسَاحِرَانِ"٣ ولست أجترئ عَلَى ذَلِكَ. وقرأ: "فَأَصَّدَّقَ وَأَكُون"٤ فزاد واوًا فِي الكتاب وَلَمْ أستحبّ ذَلِكَ.
والذي قاله الفرّاء حَسَن، وما بحسن قول ابن قتيبة٥ فِي أحرُف ذكرها، وَقَدْ خالف الكُتَّابُ المصحفُ فِي هَذَا.
_________
١ الفراء: هو يحيى بن زياد النحوي اللغوي الكوفي، مات سنة ٢٠٧هـ.
٢ هو زبان بن عمار، اللغوي النحوي البصري، مات سنة ١٥٤هـ.
٣ سورة طه، الآية: ٦٣.
٤ سورة "المنافقون"، الآية: ١٠.
٥ هو عبد الله بن مسلم الدينوري، الكوفي ثم البغدادي الأديب، مات سنة ٢٧٦هـ.
1 / 18
باب القول فِي أن لغة العرب أفضلُ اللغات وأوسعُها:
قال جلّ ثناؤه: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ ١ فوصَفه جلّ ثناؤه بأبلغ مَا يوصَف بِهِ الكلام، وهو البيان.
قال جلّ ثناؤه: ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ، عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾ ٢ فقدّم جلّ ثناؤه ذكر البيان عَلَى جميع مَا توحَّد بخلقه وتفرَّد بإنشائه، من شمس وقمر ونجم وشجر وغيرِ ذَلِكَ من الخلائق المحْكمة والنشايا المُتْقَنة. فلمّا خصَّ جلَّ ثناؤه اللسانَ العربيَّ بالبيانِ عُلم أن سائر اللغات قاصرةٌ عنه وواقعة دونه.
فإن قال قائل: فقد يقع البيانُ بغير اللسان العربي، لأن كلَّ مَن أفْهَم بكلامه عَلَى شرط لغته فقد بَيَّن. قيل لَهُ: إِن كنتَ تريد أن المتكلّم بغير اللغة العربية قَدْ يُعرِبُ عن نفسه حَتَّى يفهم السامع مراده فهذا أخس مراتب البيان، لأن الأبكم قَدْ يدلُّ بإشارات وحركات لَهُ عَلَى أكثر مراده ثُمَّ لا يسمّى متكلمًا، فضلا عن أن يُسمَّى بَيِّنًا أَوْ بليغًا.
وإن أردت أنَّ سائر اللغات تبيّن إبانة اللغة العربية فهذا غَلط، لأنا لو احتجنا أن نعبر عن السيف وأوصافه باللغة الفارسية لما أمكننا ذَلِكَ إِلاَّ باسم واحد، ونحن نذكر للسيف بالعربية صفات كثيرةً، وكذلك الأسد والفرس وغيرهما من الأشياء المسمّاة بالأسماء المترادفة. فأين هَذَا من ذاك، وأين لسائر اللغات من السَّعة مَا للغة العرب؟ هَذَا مَا لا خفاء بِهِ عَلَى ذي نُهيَة٣.
وَقَدْ قال بعضُ علمائنا حين ذكر مَا للعرب من الاستعارة والتمثيل والقلب والتقدير والتأخير وغيرها من سنن العرب فِي القرآن فقال: ولذلك لا يقدر أحد من التراجم عَلَى أن ينقله إِلَى شيء من الألسنة كما نُقل الإنجيل عن
_________
١ سورة الشعراء، الآية: ١٩٢.
٢ سورة الرحمن، الآية: ٤.
٣ النهية: العقل.
1 / 19
السريانية إِلَى الحَبشية والرُّومية وترجمت التوراة والزَّبور وسائرُ كتب الله ﷿ بالعربية، لأن العجم لَمْ تتَّسع فِي المجاز اتساع العرب، ألا ترى أنك لو أردت أن تنقُل قوله جلّ ثناؤه: ﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ﴾ ١ لَمْ تستطع أن تأتي بهذه الألفاظ المؤدِّية عن المعنى الَّذِي أَوْدِعَتْه حَتَّى تبسُط مجموعها وتصِل مقطوعها وتُظهر مستورها فتقول: "إِن كَانَ بَيْنَك وبين قوم هدنة وعهد فخفت منهم خيانة ونقضًا فأعلمهم أنّك قَدْ نقضت مَا شرطته لهم وآذِنْهم بالحرب لتكون أنت وهم فِي العلم بالنقض عَلَى استواء" وكذلك قوله جلّ ثناؤه: ﴿فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ﴾ ٢.
فإن قال قائل: فهل يوجد فِي سنن العرب ونظومها مَا يجري هَذَا المجرى؟ قيل لَهُ: إِن كلام الله جلّ ثناؤه أعلى وأرفع من أن يُضاهى أَوْ يُقابل أَوْ يعارض بِهِ كلام، وكيف لا يكون كذلك وهو كلام العليّ الأعلى خالق كلّ لغة ولسان، لكنّ الشعراء قَدْ يؤمنون إيماءَ ويأتون بالكلام الَّذِي لو أراد مُريد نقْلُه لاعْتاص٣ وَمَا أمكن إِلاَّ بمبسوطٍ من القول وكثير من اللفظ. ولو أراد أن يعبّر عن قول امرئ القيس٤:
فدع عنك نهبا صيح في حَجَراته
بالعربية فضلًا عن غيرها لطال عَلَيْهِ. وكذا قول القائل٥:
"الظن عَلَى الكاذبِ".
و"نِجارُها نارُها"٦.
_________
١ سورة الأنفال، الآية: ٥٩.
٢ سورة الكهف، الآية: ١١.
٣ اعتاص الأمر عليه: اشتد.
٤ ديوانه: ١٤٦. وعجزه:
ولكن حديثًا ما حديث الرواحل
٥ هو ابن زيابة التيمي كما في الحماسة: ٥٠. واسمه عمرو بن لأي، ومن بني تيم اللات، شاعر جاهلي. وتمام البيت:
أنا ابن زيابة إن تدعني
آتك والظنُّ عَلَى الكاذبِ
٦ مجمع الأمثال: ٢/ ٣٣٨. ولسان العرب مادة "نور".
1 / 20
و"عَيَّ بالأسْناف"١.
و"انْشأِي يُرمَ لكِ".
و"هو باقِعة"٢.
و"قلبٌ لَو رَفع".
و"عَلَى يَد فاخْضَمْ".
و"شأنك إِلاَّ تركُه مُتفاقم".
وهو كثير بمثله طالت لغةُ العرب اللغات. ولو أراد معبرٌ بالأعجمية أن يعبر عن الغنيمة والإخفاق واليقين والشكّ والظاهر والباطن، والحق والباطل، والمبين والمشكل، والاعتزاز والاستسلام لعيّ بِهِ. والله جلّ ثناؤه أعلم حَيْثُ يجعل الفضل.
ومما اختُصت بِهِ لغةُ العرب -بعد الَّذِي تقدم ذكره- قلبهُم الحروف عن جهاتها، ليكون الثاني أخفَّ من الأول، نحو قولهم: "ميعاد" وَلَمْ يقولوا "مِوْعاد" وهما من الوعد، إِلاَّ أن اللفظ الثاني أخفُّ.
ومن ذَلِكَ تركهم الجمعَ بَيْنَ السَّاكنَينِ، وَقَدْ تجتمع فِي لغة العجم ثلاث سواكن. ومنه قولهم: "يَا حارِ" ميلًا إِلَى التخفيف.
ومن اختلاسهم الحركات فِي مثل٣:
فاليومَ أشرَبْ غيرَ مُسْتَحقِبٍ
ومنه الإدغامُ، وتخفيفُ الكلمة بالحذف، نحو"لَمْ يَكُ" و"لَمْ أُبَلْ" ومن ذَلِكَ إضمارهم الأفعال، نحو"امرؤ أتقى الله" و"أمرَ مُبكياتِكِ، لا أمرَ مضْحكاتِكِ".
وممّا لا يمكن نقْله البتَّةَ: أوصافُ السيف والأسد والرمح وغير ذَلِكَ من
_________
١ مجمع الأمثال: ٢/ ١٨. وأساس البلاغة مادة "سنف"، ويضرب لمن تحير في أمره. والسناف للبعير بمنزلة اللبب للدابة. وقد سنفت البعير: شددت عليه السناف.
٢ مجمع الأمثال: ١/ ٩٦، والباقعة: الداهية.
٣ ديوان امرئ القيس: ١٤٩. وشطره:
إثما من الله ولا واغل
1 / 21
الأسماء المترادفة. ومعلوم أن العَجَم لا تعرف للأسد غير اسم واحد، فأما نحن فنُخرج لَهُ خمسين ومائة اسم.
وحدثني أحمد بن محمد بن بندار قال: سمعت أبا عبد الله بن خالَوَيْهِ الهمذاني١ يقول: جمعت للأسد خمسمائة اسم وللحيَّة مائتين.
وأخبرني عليُّ بن أحمد بن الصباح قال: حدثنا أبو بكر بن دريد قال: حدثنا ابن أخي الأصمعي٢ عن عمه أن الرشيد٣ سأله عن شعر لابن حزام العُكْلِيّ ففسره، فقال: "يَا أصمعي، إِن الغريب عندك لغَيْرُ غريب" فقال: "يَا أمير المؤمنين، ألا أكون كذلك وَقَدْ حفظتُ للحَجَر سبعين اسمًا؟"، وهذا كما قاله الأصمعي. ولكافي الكفاة٤ -أدام الله أيامه وأبقى للمسلمين فضله- فِي ذَلِكَ كتاب مجرد.
فأين لسائر الأمم مَا للعرب؟ ومن ذا يمكنه أن يُعبّر عن قولهم: ذات الزُّمَيْن٥، وكَثْرَة ذات اليد٦، ويد الدهر٧، وتخاوَصَت النجوم٨، ومَجَّت الشمسُ ريقها، ودَرأ الفيءَ٩، ومفاصل القول١٠، وأتى بالأمر من فصِّه١١، وهو رحب العَطَن١٢، وغَمْرُ الرداء١٣، ويخْلق ويَفري١٤، وهو ضيق
_________
١ هو الحسين بن أحمد بن خالويه، لغوي نحوي، له مجالس مع المتنبي في حلب، مات في حلب سنة ٣٧٠هـ.
٢ الأصمعي هو عبد الملك بن قريب لغوي نحوي من علماء البصرة ورواتها، مات سنة ٢١٦هـ.
٣ هو الخليفة العباسي هارون بن المهدي، خامس الخلفاء العباسيين، مات سنة ١٩٣هـ.
٤ كافي الكفاة هو الصاحب بن عباد وزير مؤيد الدولة البويهي، وفاته سنة ٣٨٥هـ.
٥ يقال: لقيته ذات الزمين. والمراد تراخي الوقت.
٦ كثرة ذات اليد، أي: كثرة الخير.
٧ يقال: لا أفعله يد الدهر، أي: أبدًا.
٨ تخاوصت النجوم: أي صغت النجوم للغروب.
٩ الفيء: الظل، والخراج.
١٠ مفاصل القول: أي القول القاطع.
١١ آتيك بالأمر من فصِّه: أي من محزه وأصله.
١٢ يقال: فلان رحب العطن إذا كان واسع الذراع، والعطن في الأصل: مبرك الإبل حول الورد.
١٣ غمر الرداء: أي واسع الرداء.
١٤ يقال: يخلق ويفري إذا أتى بالعجب.
1 / 22
المَجَمّ١، قلِق الوَضِين٢، رابط الجأش٣، وهو ألْوى، بعيد المُسْتَمَرّ٤، وهو شراب بِأنقع٥، وهو جُذَيْلُها المحكَّك وعُذَيقُها المُرَجَّب٦، وَمَا اشبه هَذَا من بارع كلامهم ومن الإيماء اللطيف والإشارة الدّالة.
وَمَا فِي كتاب الله جلّ ثناؤه من الخطاب العالي أكثر وأكثر، قال الله جلّ وعزّ: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾ ٧، و﴿يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ﴾ ٨، و﴿وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا﴾ ٩، و﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا﴾ ١٠، و﴿إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾ ١١، و﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾ وهو أكثر من أن نأتي عَلَيْهِ.
وللعرب بعد ذَلِكَ كَلِم تلوح فِي أثناء كلامهم كالمصابيح فِي الدُّجى، كقولهم للجَموع للخير: قَثُوم، وهذا أمر قاتِم١٢ الأعماق، أسود النواحي، واقتحف١٣ الشرابَ كلّه، وَفِي هَذَا الأمر مصاعبُ وقُحَم١٤، وامرأة حييّة قدِعة١٥، وتَقَادَعوا تقادُعَ الفراش فِي النار، وَلَهُ قَدَم صِدق، وذا أمر أنت أردته ودبّرته، وتقاذَفَتْ بِنَا النَّوى، واشْتَفَّ الشراب، ولك قُرعة هَذَا الأمر خياره، وما
_________
١ ضيق المجم: أي ضيق الذراع، والأصل مجم البئر وهو مجتمع مائها.
٢ قلق الوضين: أي بطانها من الهزال.
٣ رابط الجأش: أي شديد البأس، والجأش: الصدر.
٤ ألوى بعين المستمر، يضرب مثلا للرجل الذي لا يطاق نكارة، انظر جمهرة الأمثال: ١/ ٣٢.
٥ شراب بأنقع، يضرب مثلا لمن يعاود الأمر مرة بعد مرة. والأنقع: جمع نقع وهو الأرض الحرة الطين يستنقع فيها الماء. انظر مجمع الأمثال: ١/ ٣٦٠.
٦ جزيلها المحكك يضرب للرجل يستشفى بعقله ورأيه، مجمع الأمثال: ١/ ١٦٠. والجذل أصل الشجرة.
٧ سورة البقرة، الآية: ١٧٨.
٨ سورة "المنافقون"، الآية: ٤.
٩ سورة الفتح، الآية: ٢١.
١٠ سورة النجم، الآية: ٢٨.
١١ سورة يونس، الآية: ٢٣.
١٢ القاتم: الأغبر يعلوه السواد، وتطلق مجازًا على الأمر الشديد.
١٣ اقتحف: من القحف، والاقتحاف هو شدة الشرب.
١٤ يقال: قحم في الأمر: رمى بنفسه فيه فجأة بلا روية. وقحم الطريق: مصاعبه.
١٥ المرأة القدعة: المرأة القليلة الكلام الحيية، والتقادع: التتابع في الشيء، والتهافت.
1 / 23
دخلت لفلان قريعة١ بيت، وهو يَبْهَر القرينة إِذَا جاذبته، وهم عَلَى قرو واحد أي طريقة، وهؤلاء قَرَابينُ الملك، وهو قشع إِذَا لَمْ يثبت عَلَى أمر، وقشبه بقبيح لطخه وصبي قصِع لا يكادُ يشبّ، وأقلت مَقاصِرُ الظلام، وقطَّع الفرسُ الخيلَ تقطيعًا إِذَا خلَّفها، وَلَيْسَ أقعَس لا يكاد يبرح، وهو منزول قفر.
وهذه كلمات من قرحة٢ واحدة، فكيف إِذَا جال الطرف فِي سائر الحروف مجاله؟ ولو تقصينا ذَلِكَ لجاوزنا الغرض ولما حوته أجلاد وأجلاد.
_________
١ القريعة: سقف البيت.
٢ القرحة في وجه الفرس: دون الغرة. وقرحة الشتاء: أوله.
باب: القول في لغة العرب وهل يجوز أن يحاط بها؟ قال بعض الفقهاء: "كلام العرب لا يحيط بِهِ إِلاَّ نبيّ". وهذا كلامَ حَرِيٌّ أن يكون صحيحًا. وَمَا بلغنا أنّ أحدًا ممن مضى ادعى حفْظ اللغة كلِها. فأما الكتاب المنسوب إِلَى الخليل وَمَا فِي خاتمته من قوله: "هَذَا آخر كلام العرب" فقد كَانَ الخليل أورع وأتقى لله جلّ ثناؤه من أن يقول ذَلِكَ. ولقد سمعت عليَّ بن مِهْرُوَيْهِ يقول: سمعت هارون بن هَزاري يقول: سمعت سُفيان بن عُيْينة١ يقول: "من أحبّ أن ينظر إِلَى رجل خُلق من الذّهب والمِسك فلينظر إِلَى الخليل بن أحمد". وأخبرني أبو داود سليمان بن يزيد عن ذَلِكَ المَصاحِفِي عن النَّضر بن شُمَيْل٢ قال: "كنا نُمَيِّل بَيْنَ ابن عون٣ والخليل بن أحمد أيُّهما تقدّم فِي الزّهد والعبادة فلا ندري أيهما تقدم" قال: وسمعت النضر بن شميل يقول: "مَا رأيت أعلم بالسُّنة بعد ابن عون من الخليل بن أحمد" قال: وسمعت النضر يقول: "أُكلت الدنيا بأدب الخليل وكتبه وهو فِي خُصّ لا يشعر به". _________ ١ أبو محمد محدث الحرم المكي، كان حافظًا ثقة واسع العلم، مات سنة ١٩٨هـ. ٢ أبو الحسن، عالم بالحديث، وبأيام العرب واللغة، توفي بمرو سنة ٢٠٣هـ. ٣ ابن عون: هو أحمد بن عون الله بن حدير بن يحيى القرطبي البزاز، أبو جعفر، محدث رحال، مات سنة ٣٧٨هـ.
باب: القول في لغة العرب وهل يجوز أن يحاط بها؟ قال بعض الفقهاء: "كلام العرب لا يحيط بِهِ إِلاَّ نبيّ". وهذا كلامَ حَرِيٌّ أن يكون صحيحًا. وَمَا بلغنا أنّ أحدًا ممن مضى ادعى حفْظ اللغة كلِها. فأما الكتاب المنسوب إِلَى الخليل وَمَا فِي خاتمته من قوله: "هَذَا آخر كلام العرب" فقد كَانَ الخليل أورع وأتقى لله جلّ ثناؤه من أن يقول ذَلِكَ. ولقد سمعت عليَّ بن مِهْرُوَيْهِ يقول: سمعت هارون بن هَزاري يقول: سمعت سُفيان بن عُيْينة١ يقول: "من أحبّ أن ينظر إِلَى رجل خُلق من الذّهب والمِسك فلينظر إِلَى الخليل بن أحمد". وأخبرني أبو داود سليمان بن يزيد عن ذَلِكَ المَصاحِفِي عن النَّضر بن شُمَيْل٢ قال: "كنا نُمَيِّل بَيْنَ ابن عون٣ والخليل بن أحمد أيُّهما تقدّم فِي الزّهد والعبادة فلا ندري أيهما تقدم" قال: وسمعت النضر بن شميل يقول: "مَا رأيت أعلم بالسُّنة بعد ابن عون من الخليل بن أحمد" قال: وسمعت النضر يقول: "أُكلت الدنيا بأدب الخليل وكتبه وهو فِي خُصّ لا يشعر به". _________ ١ أبو محمد محدث الحرم المكي، كان حافظًا ثقة واسع العلم، مات سنة ١٩٨هـ. ٢ أبو الحسن، عالم بالحديث، وبأيام العرب واللغة، توفي بمرو سنة ٢٠٣هـ. ٣ ابن عون: هو أحمد بن عون الله بن حدير بن يحيى القرطبي البزاز، أبو جعفر، محدث رحال، مات سنة ٣٧٨هـ.
1 / 24
قلنا فهذا مكان الخليل من الدين، أفتراه يُقدم عَلَى أن يقول: "هَذَا آخر كلام العرب؟ ".
ثُمَّ أن فِي الكتاب الموسوم بِهِ من الإخلال مَا لا خفاء بِهِ عَلَى علماء اللغة، ومن نظر فِي سائر الأصناف الصحيحة علم صحة مَا قلناهُ.
باب القول فِي اختلاف لغات العرب: اختلاف لغات العرب من وجوه: أحدها: الاختلاف فِي الحركات كقولنا: "نَستعين" و"نِستعين" بفتح النون وكسرها. قال الفرَّاء: هي مفتوحة فِي لغة قريش، وأسدٌ وغيرهم يقولونها بكسر النون. والوجه الآخر: الاختلاف فِي الحركة والسكون مثل قولهم: "معَكم" و"معْكم" أنشد الفرّاء: ومَنْ يتَّقْ فإنّ الله معْهُ ورزق الله مؤتابٌ وغادِ١ ووجه أخر: وهو الاختلاف فِي إبدال الحروف نحو: "أولئك" و"ألالك". أنشد الفرّاء: أُلا لِك قومي لَمْ يكونوا أُشابَةً وهل يعِظُّ الضِّلّيلَ إلا أُلالكا٢ ومنها قولهم: "أنّ زيدًا" و"عَنّ زيدًا". ومن ذَلِكَ: الاختلاف فِي الهمز والتليين نحو: "مستهزءون" و"مستهزُوْن". ومنه: الاختلاف فِي التقديم والتأخير نحو: "صاعقة" و"صاقعة". ومنها: الاختلاف فِي الحذف والإثبات نحو"استحيَيْت" و"استحْيت" و"وصدَدْت" و"أَصْدَدْت". ومنها: الاختلاف فِي الحرف الصحيح يبدلُ حرفًا معتلا نحو: "أما زيد"، _________ ١ الخصائص: ١/ ٣٠٦، ٢/ ٣١٧، دون عزو. ٢ البيت للأعشى كما في شرح المفصل: ١٠/ ٦. ولأخي الكلحبة كما في خزانة الأدب: ١/ ٣٩٤. وفي نوادر أبي زيد: ١٥٤، وسر صناعة الإعراب: ١/ ٣٢٢.
باب القول فِي اختلاف لغات العرب: اختلاف لغات العرب من وجوه: أحدها: الاختلاف فِي الحركات كقولنا: "نَستعين" و"نِستعين" بفتح النون وكسرها. قال الفرَّاء: هي مفتوحة فِي لغة قريش، وأسدٌ وغيرهم يقولونها بكسر النون. والوجه الآخر: الاختلاف فِي الحركة والسكون مثل قولهم: "معَكم" و"معْكم" أنشد الفرّاء: ومَنْ يتَّقْ فإنّ الله معْهُ ورزق الله مؤتابٌ وغادِ١ ووجه أخر: وهو الاختلاف فِي إبدال الحروف نحو: "أولئك" و"ألالك". أنشد الفرّاء: أُلا لِك قومي لَمْ يكونوا أُشابَةً وهل يعِظُّ الضِّلّيلَ إلا أُلالكا٢ ومنها قولهم: "أنّ زيدًا" و"عَنّ زيدًا". ومن ذَلِكَ: الاختلاف فِي الهمز والتليين نحو: "مستهزءون" و"مستهزُوْن". ومنه: الاختلاف فِي التقديم والتأخير نحو: "صاعقة" و"صاقعة". ومنها: الاختلاف فِي الحذف والإثبات نحو"استحيَيْت" و"استحْيت" و"وصدَدْت" و"أَصْدَدْت". ومنها: الاختلاف فِي الحرف الصحيح يبدلُ حرفًا معتلا نحو: "أما زيد"، _________ ١ الخصائص: ١/ ٣٠٦، ٢/ ٣١٧، دون عزو. ٢ البيت للأعشى كما في شرح المفصل: ١٠/ ٦. ولأخي الكلحبة كما في خزانة الأدب: ١/ ٣٩٤. وفي نوادر أبي زيد: ١٥٤، وسر صناعة الإعراب: ١/ ٣٢٢.
1 / 25