وتاريخ جريدة «الموصل» في العهد العثماني غير واضح، ولم أعثر لها على أثر في الحياة الفكرية في بلدي، ويظهر أنها اقتصرت على نشر القوانين والأنظمة والبيانات، وأوامر الحكومة وإعلاناتها. وقد عاشت إلى احتلال الجيش البريطاني الموصل سنة 1918 فانقلبت إلى جريدة للمحتل، مما سأبحثه في محاضرة تالية.
هذا في حاضرة الشمال. أما في الجنوب فقد وجدت جريدة رسمية في الثغر العراقي، وادعى إبراهيم حلمي العمر في محاضرة له في أحد الأندية الأدبية أن مدحت باشا هو الذي أسسها بعد أن أنشأ «الزوراء» في بغداد، وقد أسماها «الفيحاء». ولكن المصادر الموثوقة التي بين يدي لا تؤيد هذا الزعم، بل على النقيض تؤكد أن البصرة لم تعرف الصحافة إلا بعد مغادرة مدحت باشا العراق بسنين.
إن أول مطبعة عرفتها البصرة أنشأها في ولاية هدايت باشا، موظف هناك بغدادي الموطن، كان يتولى رئاسة كتاب دائرة الأملاك السنية، ويدعى جلبي زاده محمد علي، أسس مطبعة وطبع فيها جريدة «البصرة». وقد كان نفسه صاحب امتيازها ومديرها المسئول، ظهرت سنة 1889 مكتوبة باللغتين العربية والتركية، وكانت لسان حال الولاية، فهي أقرب إلى الجريدة الرسمية. استمرت تصدر خمس سنوات حتى إذا نقل منشئها إلى وظيفة في بيروت، تبنت الحكومة المطبعة ووسعتها وعهدت بتحريرها إلى موظفين من ديوان أنشأته الولاية، فغدت جريدة رسمية صرفة.
لهذا يبدأ تاريخ جريدة «البصرة» الرسمية بكانون الثاني سنة 1895، وواصلت الجريدة الصدور أسبوعيا إلى احتلال القوات البريطانية مدينة البصرة في مطلع الحرب العظمى سنة 1914.
ويقول البعض: إن الصحفي اختلف مع الوالي الفريق حمدي باشا، فأسس هذا مطبعة أخرى وجديدة باسم جريدة «البصرة» سنة 1313.
وليس لدينا ما يؤثر عن هذه الجريدة الرسمية في الحياة الأدبية البصرية.
وتلاحظون أن الجرائد التي ذكرتها كلها جرائد رسمية تصدرها الحكومة؛ إذ ندر أن أذنت الحكومة قبل الدستور بإصدار جريدة سياسية أهلية في بلد ناء كالعراق، لم تعرف عنه درجة من الثقافة تقنع حكومة المركز باستعداده لإيجاد صحافة له، وإن كانت حتى الصحف الأدبية والعلمية والمطبوعات السائرة تخضع لرقابة صارمة في ظلام الاستبداد.
ويقول سليمان فيضي في مذكراته: ... كان هناك صحيفة واحدة في مركز كل ولاية من الأقاليم العثمانية يديرها موظف حكومة مسئول، تشغل معظم صفحاتها بمديح السلطان والدعاء له، وكانت الصفحات الأولى من هذه الصحف تبدأ بالدعاء الروتيني: «... أطال الله عمر مولانا أمير المؤمنين وخليفة رسول رب العالمين، خادم الحرمين الشريفين، وخاقان البرين والبحرين، السلطان ابن السلطان، والخاقان ابن الخاقان، عبد الحميد خان أدام الله عزه وأعز جنده وأسعد عهده ونشر على بلاد الأعداء راية نصره ... إلخ.»
ولم تكن الحكومة لتمنح امتيازا لأية صحيفة أخرى مهما كان نوعها. والتضييق على حرية الصحافة لم يكن قاصرا على عدم إصدار صحف إلا الصحف الرسمية، ولكن كان ممنوعا دخول الصحف من الخارج، حتى إن الشيخ مبارك الصباح أمير الكويت كان مشتركا بجريدة «الخلافة» التي أصدرها في لندن بعض أحرار الترك، وعندما وشى جاسوس بوكيله في البصرة عبد العزيز السالم البدر بأنه دفع اشتراك هذه الجريدة، وكبست داره وتحققوا من دفاتره، حكموا عليه بالنفي إلى ديار بكر عشر سنوات.
4
Неизвестная страница